كَالَّتيْ نَقَضَتْ غَزْلَها

عبدالرحمن الأهنومي

سجَّت الساعات الماضية أحداثاً متسارعة لناحية الهدنة المنتهية مساء اليوم ، ولناحية المخاضات التي شهدتها شهور الهدنة الستة التي تنتهي إلى طريق مسدود اليوم ، وسجلت أيضاً تطورات لناحية تكريس معادلة حماية الثروات اليمنية المنهوبة منذ أعوام من قبل تحالف العدوان ومرتزقته.

 

في البدء أعدت القوات المسلحة خلال الأشهر الستة كثيراً من المفاجآت لناحية الحرب والمواجهة الميدانية ، طوَّرت منظومات صاروخية وجوية كبيرة جداً وصنعت مخزوناً كبيراً من الأسلحة والعتاد ومنها الصواريخ والطائرات المسيَّرة والغواصات والأسلحة البحرية ، عززت ترسانتها من أسلحة الردع وجهزت خططاً حربية وبنك أهداف واسعاً في عمق دول العدوان ، درَّبت وأهلت للميدان عشرات الآلاف من المقاتلين وعززت قوتها البشرية بشكل غير مسبوق ، كل ذلك يجعل من عودة الحرب كابوساً حقيقياً على دول العدوان ومرتزقتها.

 

خلال الفترات الماضية خاض الوفد الوطني مفاوضات شاقة ومضنية وقدم تنازلات في سبيل تخفيف معاناة الشعب اليمني الإنسانية ، بذل الوفد الوطني تنازلات كبيرة ليتيح فرصة أمام تحالف العدوان للخروج من الحرب بصورة غير مهينة ، غير أن تلك المحاولات والمساعي والتنازلات جُوبهت بغطرسة واستخفاف من قبل تحالف العدوان ، وبشكل أخص الإدارة الأمريكية التي توهمت أن بإمكانها الحصول على تنازلات أكثر ومن خلال الهدنة تحقق ما فشلت به في الحرب العسكرية ، غير أن ما صدر من مواقف يوم أمس يضع خطاً أحمر أمام المحاولات الأمريكية ، ويقلب الطاولة عليها رأساً على عقب.

 

في بداية التجديد الأخير للهدنة أعلن المبعوث الأممي هانس بروندبرغ تمديد الهدنة ببنودها السابقة، وأضاف إلى إعلانه وعوداً بإجراء مفاوضات مكثفة وعاجلة للتوصل إلى آلية فعالة لصرف مرتبات الموظفين، وتوسيع الهدنة وتعميقها من خلال رفع الحصار عن موانئ الحديدة، وتوسيع وزيادة عدد ووجهات الرحلات الجوية من مطار صنعاء، غير أن ما جرى هو العكس ، فقد شهدنا نكوصاً في بنود الهدنة الأساسية حينما ذهب تحالف العدوان لتشديد احتجاز سفن الوقود وقرصنتها، وشهدنا انتكاسة للهدنة التي أعادها العدوان إلى مربع الصفر، متكئاً على صمت الأمم المتحدة ومبعوثها الذي وصل إلى صنعاء قبل يومين وجابه موقفاً حازماً وحاسماً من الرئيس المشاط الذي التقى المبعوث وأخبره بأن صرف مرتبات كافة موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين مطلب أساسي للشعب اليمني إذا لم يتحقق ذلك وتتحسن مزايا الهدنة فلن نقبل بتوسيعها ، عاد المبعوث وهو يشعر بخيبة الأمل حد تعبيره لأحد من رافقوه إلى المطار.

 

لم يبتعد الرئيس ولا الوفد الوطني المفاوض عن الواقعية في المطالب الملحة التي رهنوا بها مصير مفاوضات الهدنة ، لكن تحالف العدوان الذي انقلب مراراً على بنود الهدنة المنتهية ، أوصد كل الطرق التي تقود نحو تجديدها رافضاً أي خطوات تعالج الملف الإنساني والاقتصادي ، بل وهدد بإعادة تشديد الحصار كما جاء في التصريحات البريطانية التي صدرت ليلة أمس.

 

كل ما طرحه الوفد الوطني والرئيس المشاط من مطالب لم تكن خاصة بل كانت قضايا عامة لكل المواطنين وتخص كافة اليمنيين ، صرف المرتبات من الثروات النفطية والغازية قضية أساسية تهم كل مواطن يمني في كل المحافظات ، فالثروات تُنهب إلى بنوك السعودية وتُباع لحساباتها ، رفعُ الحصار أيضاً قضية تمس معيشة كافة اليمنيين في كل المحافظات ، فقد أثقل الحصار الظالم معائشهم وحياتهم الإنسانية وأوصل الحياة المعيشية لكل اليمنيين إلى الأسوأ في العالم.

 

قبل ذلك كله عَرَضَتْ القوات المسلحة ترسانة متطورة من الأسلحة الصاروخية والطائرات والأسلحة البحرية والدفاعات الجوية في العيد الثامن لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ، قبل أسبوعين طبعاً، لم تكن تلك الأسلحة التي ظهرت كل شيء ، بل هناك أضعافها لم تُكشف ولم تُعرض، قد يتفاجأ تحالف العدوان بحجم كبير من المفاجآت التي ستحدث في الأيام المقبلة إذا اندلعت الحرب، سيدرك أن المطالب المطروحة اليوم على الطاولة ليست صعبة وهي حقوق أساساً لكافة اليمنيين.

 

حال تحالف العدوان مع الهدنة يشبه حال التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، وناقضة الغزل، قيل أنها امرأة حمقاء كانت مصابة بالهوس، مختلة العقل، كانت تغزل من الصباح وفي المساء تنقض الغزل، والمعنى ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها، وحال تحالف العدوان الذي أتيحت له فرصة مواتية للخروج من ورطته فنقض العهد ونقض الغزل ، ستتكبد من الهدنة بما راكمته صنعاء من قوة كالتي تعبت على الغزل، ثم ستتكبد من إفشالها وإعادة الحرب كالتي تعبت على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء والخسارات ، ولن يجني تحالف العدوان بالحرب بعد الهدنة إلا كذلك.

 

 

مقالات ذات صلة