الهدنة في اليمن بين سيناريوهين: التصعيد أو التعقيد؟

علي ظافر

ما تطرحه صنعاء، في مقاربتها لحل الأزمة، هو الأكثر إنصافاً وواقعية، ويبدو أنَّ تحالف العدوان بات يدرك هذه الحقيقة، وبات على يقين تام بفشل الخيارات العسكرية وخيارات الضغوط القصوى، ويفكّر في الخروج السلس والمتدرج من مأزقه في اليمن.

 

الهدنة في اليمن بين سيناريوهين: التصعيد أو التعقيد؟

 

رغم الحراك الدبلوماسي الأميركي الأوروبي الأممي الذي شهدته المنطقة في الآونة الأخيرة، وما رافقه من تصريحات تبدو إيجابية ظاهرياً بهدف الدفع باتجاه التمديد الثالث، فإنَّ دول العدوان بعثت رسالة سلبية باستمرارها في احتجاز السفن النفطية في عرض البحر، بما يؤكد إصرارها على مواصلة الحصار، الأمر الذي من شأنه أن يعقد أيّ فرص أو جهود للسلام.

 

تزامُن هذه الرسائل السلبية مع اقتراب التمديد الثاني للهدنة من خط النهاية، يدفعنا إلى التساؤل عن المسار الذي ستذهب إليه الأوضاع في اليمن مطلع تشرين الأول/أكتوبر: هل تتجه إلى التمديد أم التعقيد أم التصعيد؟ هذا السؤال مشروع. ولمقاربة الإجابة عنه، سنلجأ إلى تفكيك التصريحات السياسية والإعلامية لطرفي الأزمة.

 

مبدئيّاً، لا يبدو أن الأمور ذاهبة باتجاه التصعيد، وإن كان البعض يفترض ذلك، ببساطة لأن الرغبة والمصلحة الأميركية، كما يبدو، لا تفضل إشعال الساحة اليمنية مجدداً بالتوازي مع استمرار اشتعال الأزمة الغربية الروسية في أوكرانيا.

 

بات هذا الأمر من نوافل القول، وخصوصاً أن ملامح الركود الاقتصادي بدأت تلوح في الأفق الأميركي مدفوعة بأزمة النفط العالمية، وباتت إدارة بايدن تذهب بين الحين والآخر إلى مضاعفة الضريبة على الشركات داخل الولايات المتحدة بهدف تخفيف اعتمادها على النفط، ومضاعفة العقوبات النفطية على روسيا.

 

من ناحية ثانية، فإن واشنطن وأوروبا حريصتان كل الحرص على تحييد منابع الطاقة في السعودية والإمارات عن نيران الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة اليمنية، مع الحرص كذلك على تأمين طرق الطاقة، وتحديداً عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ولا سيما بعد ما كشفته صنعاء من أسلحة بحرية قد تفرض معادلات صعبة في البحر.

 

وعطفاً على ما سبق، يبدو أنّ فرص التمديد هي الأوفر حظّاً. وربطاً بالتّصريحات من أطراف الصراع، فعقب اجتماع رباعية العدوان يوم الثلاثاء 20 أيلول/سبتمبر، خرجت الرباعية ببيان مشترك لم تخفِ فيه حرصها على التمديد، بل رحبت بما وصفتها بـ”الفوائد الملموسة التي حققتها الهدنة”، كما رحبت بـ”مواصلة تنفيذ تدابير بناء الثقة المتفق عليها، بما في ذلك تسهيل تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة واستئناف الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي”، ودعت إلى “تنفيذ الإجراءات المعلقة، بما فيها الاتفاق على آلية مشتركة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية”.

 

وقد تلا ذلك البيان لقاء شكلي بين المبعوث الأميركي تيم ليندر كينع وقيادات المرتزقة، مع أنهم لا يملكون القرار. تلا ذلك لقاءات للممثل الأممي هانس غراندبرغ بسفراء الدول الخمس الدائمة العضوية ووزير خارجية عمان، وكلها تحت عنوان بحث “سبل إنهاء الصراع في اليمن”، وبهدف الدفع باتجاه تمديد ثالث للهدنة.

 

ظاهريّاً، يبدو هذا الموقف إيجابيّاً، لكن العبرة بالتنفيذ، وخصوصاً أنّ الرّباعيّة نفسها وممثّل الأمم المتحدة سبق أن أطلقوا مثل هذه التصريحات قبيل سريان التنفيذ الثاني للهدنة، ومضى شهران من دون التوصّل إلى آلية مشتركة لصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية، ومن دون تعدد وجهات الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي، ومن دون ضمان سلاسة تدفق سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، ما يعزز فرضية التمديد مع استمرار التعقيدات التي حصلت خلال التمديد الثاني بهدف اللعب على عنصر الوقت.

 

في المقابل، لا يبدو أنّ صنعاء غافلة عن هذه الفرضية، وهي ترجح ذلك. هذا ما بدا واضحاً من حديث رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط خلال كلمته بمناسبة الذكرى الـ60 لـ”ثورة 26 سبتمبر”، إذ قال: “لا نتمنى أي تصعيد أو تعقيد، لكنه محتمل جداً في حال لم نجد عقلاء في الطرف الآخر يشاركوننا الحرص على السلام واحترام مطالب شعبنا”، محذراً في الوقت ذاته دول تحالف العدوان من “القفز على مطالب الشعب المحقة والعادلة وغير التعجيزية”.

 

المطالب التي أشار إليها الرئيس المشاط سبق أن أوضحها رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام في تغريدة في “تويتر”، وهي تتمثل بـ3 نقاط أساسية وضرورية لاستقرار حقيقي يلمسه الشعب:

 

–  صرف المرتبات.

 

–  إنهاء الحصار على مطار صنعاء وميناء الحديدة.

 

– تثبيت وقف إطلاق النار.

 

وترى صنعاء أن لا قيمة لأي حديث عن السلام والأمن من دون تنفيذ هذه المطالب، ولا يمكن الذهاب إلى أي تسوية سياسية مع الإبقاء على حصار الشعب اليمني ونهب ثرواته النفطية وحرمان موظفي الدولة من مرتباتهم وحقوقهم.

 

ما تطرحه صنعاء، في مقاربتها لحل الأزمة، هو الأكثر إنصافاً وواقعية. ولا يستوي بأيِّ حال من الأحوال القفز إلى الملف السياسي قبل معالجة الملفات الإنسانية، وبشكل جاد. ويبدو أنَّ تحالف العدوان بات يدرك هذه الحقيقة، وبات على يقين تام بفشل الخيارات العسكرية وخيارات الضغوط القصوى، لكنّه يفكّر في الخروج السلس والمتدرج من مأزقه في اليمن، وإن على مراحل، مع أن ذلك لم يعد مقبولاً إلى ما لانهاية، وبمقدور صنعاء أن تفرض معادلاتها القوية مستفيدة من المتغيرات الدولية وما يعانيه المعسكر الآخر من أزمات لها أول وليس لها آخر، وما سيأتي ليس بأعظم مما مضى.

 

وفي هذا السياق، تكشف بعض الأوساط الدبلوماسية أن دول تحالف العدوان باتت حريصة على النزول التدريجي عن الشجرة، وأنها قدمت عروضاً بأن تكون السعودية والإمارات وجهتين جديدتين للرحلات التجارية، إضافة إلى الدوحة والهند، فيما بقي ملف الرواتب محط خلاف مع التعهد بتدفق سلس لسفن النفط من دون أيّ تعقيدات إضافية.

 

تبدو هذه الأمور مبشرة، لكن لا يمكن الوثوق بها والركون إلى تحالف العدوان إلا حينما يقدم شواهد عملية على ما تعهد به. حينها، ستتهيأ الأرضية المناسبة لوقف دائم لإطلاق النار، وللولوج إلى التسوية السياسية الشاملة والعادلة، مع ضرورة تخلّي معسكر العدوان عن الصنميات السياسية التي عفا عليها الزمن وتجاوزها الواقع والمتغيرات.

 

 

مقالات ذات صلة