حتمية الصراع مع الأعداء.. رسول الله في خط المواجهة الأول ضد الطواغيت والمستكبرين

عمران نت  – تقارير – 18 رمضان 1443هـ

القرآن الكريم في سورة الأنفال قدّم عرضاً كبيراً ومهماً وغنياً بالدروس والعبر والحقائق المهمة التي تستفيد منها الأمة في موقفها العسكري وفي صراعها مع أعداءها وفي مواجهتها للتحديات إلى يوم القيامة، وباعتبار غزوة بدر واقعة مهمة جدا كما سماها الله بيوم الفرقان، فكانت فعلا، كانت حدثا فارقا واستثنائيا ومصيريا غير وجه التاريخ، وينبغي التركيز بشكل كبير على العودة إلى القرآن الكريم للاستهداء به والاسترشاد به والاستذكار به ورسول الله صلوات الله عليه وعلى آله هو لنا القدوة والهادي والمعلم والمربي، هو نبينا ورسولنا الذي نستلهم ونستفيد ونستهدي من كل حركته، من كل مواقفه، وفي المقدمة من جهاده من حركته العسكرية، من حركته في مواجهة التحديات والأخطار.

 

وفي معركة بدر من الدروس والعبر ما يشكل منهجية عسكرية متكاملة يحتاج إليها كل مجاهد في سبيل الله وقد استخلصنا بعضاً من الدروس الهامة من محاضرات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله) التي القاها خلال شهر رمضان الماضي ومن تلك الدروس والعبر ما يلي:

 

أولاً: تغيير الواقع لا يمكن بدون تضحيات

 

أمامنا أول درس من يوم الفرقان أنه لا تصنع تحولات ومتغيرات لصالح المستضعفين ولعتق الناس المظلومين ولإنقاذ البشر المهضومين والمضطهدين إلا بمواقف إلا بتضحية إلا بعمل إلا بجهد إلا بمعاناة هذا أول درس وأن كل الذين يتخيلون صناعة التحولات والتغيرات الإيجابية في واقع البشرية بدون تضحية بدون عناء بدون احتكاك بقوى الشر والإجرام والطاغوت والفساد والظلم بدون مشاكل هم واهمون وغير واقعيين أبدا غير واقعيين نهائيا وبيقدموا للناس شيء غير صحيح ولا واقعي ولا يمكن الاعتماد عليه والاعتماد عليه مضيعه لكل شيء وتمكين للظلم والطاغوت والإجرام ولا يجدي شيءً وكلام ساذج ولا ينبغي أن يلتفت إليه نهائيا وساذجين من يعمدون عليه.

 

من أول العبر الدروس التي يمكن أستفادتها من غزوة بدر هي أنه لا يمكن تغيير الواقع السيء وصناعة تغيير كامل لصالح المستضعفين ولصالح الحق والعدل بدون مواجهة مع قوى الطاغوت وبدون التعرض للأخطار وتقديم التضحيات ولذلك يقول السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (يحفظه الله): ((الذين يتصورون أن بالإمكان تغيير واقع البشرية أو تغيير واقع مجتمع معين من المجتمعات من خلال فقط الكلام، والموعظة الحسنة، والعمل الهادئ جداً، ومن دون أي تضحيات، ولا صراع ولا مشاكل ولا مواجهة التحديات، ولا تعرض لأخطار، هذا وهمٌ ورؤيةٌ ساذجة بكل ما تعنيه الكلمة.

 

ولأن أنبياء هم أعظم المصلحين في واقع البشر، ما هناك أحد أكمل منهم وأرقى منهم وأعلى منهم، ويحظون برعاية إلهية مباشرة، واتصال بالله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالتوجيهات المباشرة والمستجدة بشكل لا مثيل له مع غيرهم، وهم فيما هم عليه من كمال من أخلاق من حكمة على أرقى مستوى هم صفوة البشر وخير البشر، مع ذلك هل كانوا يتمكنون في الواقع البشري من العمل بهذه الطريقة؟!

 

صناعة تغيير كامل بدون مواجهة؟!

 

بدون مشاكل؟!

 

بدون تحديات؟!

 

بدون صراعات؟!

 

الأنبياء بما هم عليه هم من كمال إنساني عظيم، شخصيات جذابة للغاية، كمال إنساني عظيم جدا، يضاف إلى ذلك ما هم عليه من مكارم الأخلاق، أرقى مستوى في الواقع البشري من مكارم الأخلاق لدى الأنبياء ولدى خاتم الأنبياء رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، ما هم عليه أيضا من حكمة وحسن تصرف بشكل كبيرلديهم أسلوب راقي جدا، أداؤهم أداء ناجح، أداء حكيم، أداء سليم، ما يغلطوا ولا يتصرفوا بطيش أو حماقة أو أسلوب غير حكيم، والدعوة كذلك، الدعوة التي يقدمونها للبشر دعوة حق وخير ومصلحة ومنفعة وعدل ورحمة، رحمة بكل ما تعنيه الكلمة لكنهم كانوا يصطدمون بالكثير من المستكبرين والمعاندين والجاحدين..

 

وبالتالي فكل الذين يتخيلون صناعة التحولات والتغيرات الإيجابية في واقع البشرية بدون تضحية بدون عناء بدون احتكاك بقوى الشر والإجرام والطاغوت والفساد والظلم بدون مشاكل هم واهمون وغير واقعيين أبداً.

 

 

 

حتى الأنبياء جاهدو وواجهوا الكثير من المشاكل

 

يقول الله سبحانه وتعالى {كَما أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ} [الأنفال: 5] أن الإنسان مهما كان في مكارم أخلاقه في صلاحه في حسن نيته فيما هو عليه من اتجاه إيجابي في هذه الحياة ومهما كان في حكمته وفي رشده وفي حسن تصرفه وفي أدائه ومهما كانت دعوته صالحة ودعوة خير ودعوة حق ودعوة عدل ودعوة رحمة لا يبقى بدون مشاكل بل على العكس أنت كلما كنت أكثر فاعلية وأرقى أداءً وأصيلا في انتمائك وصادقا في انتمائك لتلك القيم وللحق وللخير وللعدل الشيء الذي سيحصل أنك ستحارب أكثر وأنك ستواجه من المشاكل أكثر من غيرك

 

يا أخي الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا على هذا النحو كان المنزعجون منهم كثر وانزعاج شديد جدا أنت إذا كنت أصيلا في انتمائك للحق مجسدا لمكارم الأخلاق مبدئيا مع الحق هناك الكثير والكثير جدا سينزعجون منك بقدر فاعليتك بقدر ما تكون فاعلا

 

 

 

الجهاد في سبيل الله هو التزام ديني مثله مثل الصلاة والصيام

 

{أَخرَجَكَ رَبُّكَ} [الأنفال: 5] التزام إيماني وديني كما الصلاة كما الصيام كما الزكاة كما الحج كما بر الوالدين كما كما كما بقية الالتزامات الدينية هذا منها وهذه مسألة مهمة جدا لأن الكثير من الناس قد غفلوا عنها لم يعودوا ينظرون إليها بمقدار إلى ما ينظرون إلى الصلاة كالتزام ديني كفريضة فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى هذا أيضا فرض فرضه الله أن نتحرك بكل ما نستطيع بكل الوسائل المشروعة في التصدي لقوى الشر والطاغوت كما أخرجك ربك رسول الله يتحرك بأمر من الله التزام ديني وإيماني {مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ} [الأنفال: 5] والتحرك بالذات في الصراع وفي ميدان الصراع لا بد أن يكون بالحق وللحق وعلى أساس الحق هذه قضية محورية ورئيسية ومهمة جدا جدا جدا

 

 

 

 

 

لا يمكن لأحد أن يتنصل عن المسؤولية وهي حالة لم تحصل حتى لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)

 

لم يكن بإمكان رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في مواجهة تلك التحديات أن ينكفئ على نفسه وأن يتجاهل الواقع من حوله، وأن يعتكف في مسجده يتفرغ للدعاء والذكر ثم لا يتحرك ولا يتجه إلى هذا الواقع، ولا يتحرك لمواجهة هذا التحدي، لا، هذا بحد ذاته درس مهم، لأن البعض عندهم قصور في فهم معنى الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، فالالتجاء إلى الله عندهم حالة منفصلة عن العمل وتحمل المسؤولية، وحالة يبررون بها تنصلهم عن المسؤولية، ويجعلون من حالة الدعاء والذكر وسيلة لتبرير تنصلهم عن تحمل المسؤولية، وهذا أمر غير صحيح، لو كان متاحا لأحد لكان متاحا لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، الذي هو أعظم الناس قربة إلى الله واستجابة لدعائه، فلو كان الدعاء بديلا عن تحمل المسؤولية وعن مواجهة التحدي وعن التضحية والعمل لكان هو الأولى بأن يستجيب الله له دعاءه من دون أن يواجه أي عناء أي متاعب، هذا الرسول الذي كان يمتلك سيفا ويمتلك درعا ويمتلك وسائل عسكرية ويحرك المؤمنين معه ليمتلكوا القدرة العسكرية بأقصى ما يستطيعون، ويسعى بكل جهد إلى أن يكون واقعه وواقع أمته من حوله قائما على القوة وقائما على العزة والمنعة والكرامة، ويتحرك على هذا الأساس، الرسول صلوات الله عليه وعلى آله في حركته في مواجهة التحديات، في مواجهة الطاغوت والاستكبار يمثل القدوة العظيمة للأمة، في زمنه وبعد زمنه وليس في عصره فقط، وهذا ما لوحظ التأكيد عليه في القرآن الكريم في آيات متعددة، فنجد مثلا في سورة التوبة وهو ينتقد المتخلفين والمتخاذلين من أهل المدينة: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ).

 

 

 

 

 

لا قيمة للماديات في التحرك الجهادي ويجب أن تكون المعايير إلهية

 

في حركة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله والمؤمنين معه كانت المعايير التي اعتمد عليها في موقفه وكذلك الاعتبارات التي انطلق من خلالها في حركته كلها إلهية كلها حسب التوجيهات الإلهية ولذلك مثلا لم يعتمد في حركته صلوات الله عليه وعلى آله على نظرة التكافؤ المادي والتكافؤ في العدد والعدة فيما بينه وبين العدو كانت إمكانات العدو كبيرة وكان عددهم أكثر وكانت إمكانيات المسلمين متواضعة وكذلك كان عددهم أقل فما الذي اعتمد عليها الرسول والمؤمنون معه يقول الله {إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلّا بُشرىٰ وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم ۚ وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ} [الأنفال: 9-10] يأتي الدعاء وتأتي الاستغاثة بالله سبحانه وتعالى والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى في هذا السياق العملي مع التحرك مع العمل مع تحمل المسؤولية ولا بد من هذا الجانب أيضا لا بد من الدعاء ولكن مع تحمل المسؤولية مع الحركة مع الفعل مع العمل مع الموقف والالتجاء إلى الله والاستغاثة بالله سبحانه وتعالى مسألة أساسية لخوض الصراع في مواجهة التحديات والانطلاقة بهذا الإحساس بهذا الشعور وبهذا الوجدان أنا ننطلق ونحن نعتمد على الله ونحن نراهن على الله ونحن نتوكل على الله ونحن نثق بالله أنه خير الناصرين وأنه نعم المولى ونعم النصير وأنه كفى به وليا وكفى به نصيرا، وأنه إذا وفرنا في واقعنا الأسباب المعنوية والعملية للنصر يتوفر النصر.

 

الجانب المعنوي جانب رئيسي في الصراع مع العدو

 

يمثل الجانب المعنوي الجانب الرئيسي للمعركة وللصراع وفي مواجهة التحديات ويعطيه القرآن أهمية كبرى وهي مسألة بديهية لدى البشر الذين أجمعوا في كل الدنيا أن الجانب المعنوي رئيسي جدا في معادلة الصراع والمواجهة يجب أن نعي ذلك وأن نعمل عليه وأن نركز عليه وأن نشتغل عليه والإنسان المؤمن المرتبط بهدى الله سبحانه وتعالى والمتوكل على الله سبحانه وتعالى والمستوعب لهدى الله الذي يصغي للهدى ويتفهم هذا الهدى، هو في المقدمة يستفيد هذه الطاقة المعنوية وهذه المعنويات العالية التي تساعده في مواجهة هذه التحديات الكبرى

 

ولذلك نلحظ في معركة بدر أن الإمداد الإلهي بالملائكة ما الذي كان يهدف إليه؟ {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} كان الدور المعنوي رئيسيا في مهمة الملائكة عندما نزلوا في معركة بدر وتحركوا بين أوساط المؤمنين كان مهمة أساسية وكان هذا الدور {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} هو دور معنوي على أساس أن يسعوا لرفع معنويات المؤمنين فيما يساعدهم على الثبات، ولاحظوا أيضاً في كثيرٍ من التدابير الإلهية (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) جملة من التدابير هادفة إلى رفع المعنويات ولذلك من المهم جداً التركيز في الصراع مع الأعداء على الجانب المعنوي وعلى مستوى الفكرة والرؤية وعلى مستوى الحالة النفسية في الأمل في الصمود في الثبات في الإباء.

 

الجانب المعنوي عمادة وأساسه الثقة العظيمة بالله

 

الجانب المعنوي عمادهُ أساسهُ الثقة بالله، الثقة العظيمة بالله سبحانهُ وتعالى والوعي بطبيعة التقلبات في الميدان، أن الانكسارات في بعض الأحيان هي ناتجة عن خلل عن تقصير عن تفريط وليس أن هناك معادلات ثابتة لا يمكن كسرها، أن العدو لأنهُ يمتلك إمكانات أكثر لا يمكن أن نصمد بوجهه لا، هذا غير صحيح أبداً.

 

الشواهد على مر التاريخ وفي زمننا هذا عشناها وشاهدناها ورأيناها في واقعنا وفي واقع غيرنا تثبت غير ذلك يمكن هزيمة العدو الأقوى عدةً والأكثر عدداً إذا توفرت في واقع المؤمنين والمستضعفين أسباب وعوامل النصر المعنوية والعملية، إذا أخذوا بتلك الأسباب انتصروا، إذا فرطوا إذا قصروا إذا حصل عندهم خلل إذا حصل عصيان إذا حصل سبب من تلك الأسباب العملية هذا يؤثر عليهم يؤثر عليهم في الواقع هذه مسألة في غاية الأهمية.

مقالات ذات صلة