نماذج من مميزات ومواصفات المتقين في القرآن الكريم (1)

عمران نت – تقارير – 16رمضان 1443هــ

في سياق الحديث عن التقوى وعن المتقين فيما قدَّمه القرآن الكريم من علاماتهم، وصفاتهم، ونماذج من أعمالهم، وكذلك فيما عرضه مما وعد به الله سبحانه وتعالى عباده المتقين، يؤكد السيد القائد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” أنه وردت آياتٌ مباركة في سورة آل عمران، وفيها يتم الفرز بين التوجهات والاهتمامات لدى المتقين، وما يصلون من خلال ذلك إليه من الفوز العظيم، والنتائج المهمة، وما عليه غيرهم من الاهتمامات والتوجهات، التي نتائجها محدودة، ويعقبها الخسران.

 

ويؤكد السيد القائد أن القرآن يأتي بنماذج من مواصفات المتقين؛ ليبين لنا التقوى، ويعرفنا على المتقين، وفيما يلي نورد أبرز النماذج من مميزات ومواصفات المتقين في القرآن الكريم في ضوء المحاضرات الرمضانية للسيد القائد:

 

التذكر والاستعداد لليوم الآخر:

إن من أهم ما هو محسوبٌ في عداد مواصفات عباد الله المتقين، هو: اليقين بالآخرة، وهو من أهم الدوافع إلى التقوى، ومن أهم ما يساعد على التزام حالة التقوى، اليقين بالآخرة، ويبين السيد القائد ان من مميزات المتقين: التذكر والاستعداد لليوم الآخر، يقول: “ما يتميز به المتقون: أنهم في حالة انتباه، في حالة تذكر، مع يقينهم بالآخرة، مع إيمانهم بوعد الله ووعيده، هم في حالة انتباه، وتذكر، وجهوزية، واستعداد؛ ولذلك يزنون تصرفاتهم، أعمالهم، مواقفهم على هذا الأساس، أنَّ هناك حساباً، هناك جزاءً، يتذكرون ذلك، وإذا حدثت لهم حالات غفلة، فهي حالات عارضة، وليست حالاتٍ مستحكمة، هي حالاتٌ عارضة، يخرجون منها، يُذَكَّرون فيتذكَّرون، يأتي ما ينبههم؛ فيخرجون من حالة غفلتهم، ويعودون إلى انتباههم، وهم يستشعرون دائماً قرب لقاء الله “سبحانه وتعالى”، {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[البقرة: الآية46]، فاستشعارهم المستمر لقرب لقاء الله “سبحانه وتعالى”، يجعلهم في حالةٍ من الانتباه، واليقظة، والاستعداد، والإدراك أنَّ مواقفهم محسوبة، وتصرفاتهم محسوبة، وأعمالهم محسوبة… إلى غير ذلك، ولهذا يقول الله “سبحانه وتعالى” عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}[الأعراف: الآية201]، فهم قد تعرض لهم حالة الغفلة، ثم سرعان ما ينتبهون، فينتبهون لتصرفاتهم، لأعمالهم، لمواقفهم، ويتحركون على أساسٍ من إيمانهم”.

 

ويصف السيد القائد حال الإنسان المؤمن المتقي يوم القيامة، بعد أن يأخذ كتابه بيمينه، وفيه الصفحات التي تبيِّض وجهه، تجعله يستبشر من أعماله الصالحة، من أعماله التي فيها مرضاة الله سبحانه وتعالى، حيث يقول: “حالة الاستشعار الدائم لذلك المستقبل الآتي حتماً، عبَّر عنها القرآن الكريم في إدراك أهميتها يوم القيامة، الإنسان الذي كان متذكراً هنا، منتبهاً، في حالةٍ من اليقظة، والاستعداد، والجهوزية، يوم القيامة يدرك قيمة أنه كان يستشعر أهمية الحساب، ويحسب لنفسه ذلك قبل مجيء يوم القيامة، فيقول الله “سبحانه وتعالى” عن هذه الحالة: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة: الآية20]، هكذا هو الإنسان المؤمن المتقي يوم القيامة، بعد أن يأخذ كتابه بيمينه، وفيه الصفحات التي تبيِّض وجهه، تجعله يستبشر من أعماله الصالحة، من أعماله التي فيها مرضاة الله “سبحانه وتعالى”، فهو مستبشر، فيتذكر حينها أهمية استشعاره في حياته هنا في الدنيا لمسألة الحساب، ومسألة القيامة والجزاء، فيقول: {إِنِّي ظَنَنْتُ}، يعني: كنت استشعر في حياتي في الدنيا، {أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ}، أنه لا بدَّ من الحساب، وأنني سألقى الحساب، ومن ثم الجزاء، فكان لهذا أهمية في أن أستعد، أن أتوب إلى الله، أن أتلافى تقصيري، أن أتدارك خطيئاتي، أن أتجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالعمل الصالح فيما أمرني به، فكان لذلك الثمرة الطيِّبة”.

 

ويشير السيد القائد إلى أن حالة اليقظة، والانتباه، والاستعداد، والاهتمام لدى المتقين، تصل إلى أن يكون لديهم انتباه واهتمام في مختلف الحالات والظروف، حتى في حالة النوم، حيث يقول: “حالة اليقظة، حالة الانتباه، حالة الاستعداد، حالة الاهتمام لدى المتقين، تصل إلى أن يكون لديهم انتباه واهتمام في مختلف الحالات والظروف، حتى في حالة النوم، قال الله عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة: من الآية16]، يأتي التذكر للآخرة، للحساب، للجزاء، لذلك المستقبل الأبدي، حتى وهو مضطجعٌ على فراش نومه، فتثيره هذه الحالة، وتنشِّطه للقيام من نومه إلى العمل الصالح، إلى ذكر الله “سبحانه وتعالى”، إلى التحرك لما فيه طاعة الله “سبحانه وتعالى”، إلى الاهتمام بمسؤولياته وواجباته، هذه الحالة الهامة من التذكر والانتباه تجعلهم يتداركون أنفسهم عند كل حالة تقصيرٍ، أو عند كل هفوةٍ أو ذنب، فيبادرون سريعاً بالتوبة والإنابة إلى الله “سبحانه وتعالى”، كما قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: من الآية135]، هم يتجهون بمبادرة سريعة بالإنابة إلى الله، بتدارك خطيئاتهم، أو معاصيهم، أو ذنوبهم، أو تقصيرهم، أو تفريطهم، أو تهاونهم، ولا يصرون أبداً، لا يستمرون في حالة العصيان لهذا الانتباه”.

 

سعيهم المستمر وبجديةٍ كبيرة للنجاة من عذاب الله تعالى:

إن من أهم ما يتحدث به القرآن الكريم عن المتقين، ضمن اهتماماتهم الأساسية، ومواصفاتهم الهامة التي يتحدث عنها هو سعيهم المستمر وبجديةٍ كبيرة للنجاة من عذاب الله تعالى، واستشعارهم للمسؤولية تجاه تصرفاتهم، وأعمالهم، وأقوالهم، وأفعالهم، ومواقفهم، ولأنهم يؤمنون بوعيد الله “سبحانه وتعالى فإن أدعيتهم يتصدرها الدعاء بالنجاة من عذاب الله؛، يقول السيد القائد: “من أهم ما يتحدث به القرآن الكريم عن المتقين، ضمن اهتماماتهم الأساسية، ومواصفاتهم الهامة التي يتحدث عنها، هو: سعيهم المستمر وبجديةٍ كبيرة للنجاة من عذاب الله تعالى، واستشعارهم للمسؤولية تجاه تصرفاتهم، وأعمالهم، وأقوالهم، وأفعالهم، ومواقفهم، وربطها بذلك: في أنها أعمالٌ ومواقف يترتب عليها الجزاء؛ فلذلك يتعاملون على أساسٍ من المسؤولية، ضمن اهتمامهم ذلك تبرز العناية بهذا الأمر في دعائهم، فيتصدر أدعيتهم الدعاء بالنجاة من النار، النجاة من عذاب الله؛ لأنهم يؤمنون بوعيد الله “سبحانه وتعالى”، فيبرز في دعائهم، وفي تضرعهم، يطلبون من الله “سبحانه وتعالى” النجاة من عذاب الله، ويأتي في القرآن الكريم الحديث عن ذلك جامعاً بين الصيغة الخبرية والتعليمية، فهو يخبرنا كمواصفةٍ من مواصفاتهم من جهة، ويعلمنا أن نهتم بذلك عندما نسعى لأن نكون من عباد الله المتقين”.

 

طلب المغفرة من واقع إيمانهم وعمق مشاعرهم:

من قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، يبين السيد القائد أن من أهم مواصفات المتقين أنهم يستشعرون مسؤوليتهم تجاه أعمالهم وتصرفاتهم، فهم يتوجهون إلى الله سبحانه وتعالى في طلب المغفرة، حيث يقول: “من أهم مواصفات المتقين: أنهم يستشعرون مسؤوليتهم تجاه أعمالهم وتصرفاتهم، فهم هنا يتوجهون إلى الله “سبحانه وتعالى” في طلب المغفرة، فيقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}، إننا آمنا: آمنا بك؛ فاستشعرنا عظيم حقك علينا، آمنا بوعدك ووعيدك؛ فأدركنا أهمية ما نعمل، وما يترتب عليه من الجزاء في الآخرة، وما يترتب عليه حتى من العواقب والنتائج في هذه الدنيا، فأدركنا الخطورة في تصرفاتنا وأعمالنا، عندما نعصي، عندما نذنب، عندما نفرط، عندما نقصر، عندما نهمل، عندما نفرط في شيءٍ من التزاماتنا العملية الإيمانية فلا نقوم به، عندما لا نعمل ما ينبغي علينا أن نعمله، يستشعرون الخطورة، ليسوا مستهترين في أعمالهم، في تصرفاتهم، هم يدركون المسؤولية فيما يفعلون، فيما يتصرفون، في مواقفهم، فيما عليهم من التزامات إيمانية وعملية، ولذلك يطلبون من الله المغفرة، يطلبون من الله المغفرة، يدركون خطورة الذنوب، خطورة التفريط، خطورة التقصير، خطورة الإهمال تجاه التزاماتهم الإيمانية فيما أمرهم الله به، ويدركون الخطورة الرهيبة لتجاوز حدود الله “سبحانه وتعالى”، أو لفعل الحرام، مسألة خطيرة جداً لديهم، فهم يخافون من ذنوبهم، وتقصيرهم، وإهمالهم، وتفريطهم، ليسوا متهاونين، ليسوا مستهترين”.

 

ويضيف السيد القائد بالقول: “{فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، فهم يؤمنون بوعيد الله، ويوقنون بالآخرة، ويدركون أن النار هي العقوبة الحتمية للإنسان المستهتر المتهاون، الذي لا يرجع إلى الله، لا ينيب إلى الله، لا يستقيم على أساس هدى الله، لا يلتزم بتعليمات الله وتوجيهاته، فيصر، على عصيانه، يصر على تقصيره، يصر على تفريطه، فيدركون الخطورة في ذلك، ولذلك يضرعون إلى الله، وعندهم اهتمام عملي، ليسوا فقط يقولون ذلك، ثم لا يلتفتون إلى واقعهم العملي لمعرفة ما هم مقصرون فيه، فيتداركون ذلك، لمعرفة ما قد يكون الإنسان واقعاً فيه، مما فيه إثم في سلوكياته، أو في تصرفاته، أو في طريقته في أداء المسؤولية، فيقلعون عن ذلك وينتبهون، يقولون وهم يلتفتون إلى واقعهم العملي، يقيمون واقعهم العملي، يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.

 

الاستشعار الدائم بالتقصير:

إن من ضمن أهم مطالب المتقون وفي مقدمة مطالبهم هو طلبهم يطلبون المغفرة، والسعي المتواصل للتخلص من الذنوب، والمبادرة بالتوبة، وتلافي التقصير، والاهتمام بأسباب المغفرة، التي يرشد الله إليها في القرآن الكريم، يقول السيد القائد: “ويأتي أيضاً من ضمن اهتمامهم في ذلك ما يظهر طلبهم المغفرة بشكلٍ كبير، ومن ضمن أهم مطالبهم، وفي مقدمة مطالبهم: يطلبون المغفرة، المغفرة، ويسعون للتخلص من الذنوب، والمبادرة بالتوبة، وتلافي التقصير، والاهتمام بأسباب المغفرة، التي يرشد الله إليها في القرآن الكريم، ويعد عليها بالمغفرة، فالوعد عليها بالمغفرة هو من أهم ما يمثل جاذبيةً لتلك الأعمال، ويلفت النظر إلى مدى أهميتها، فيأتي مما وصفهم الله به في القرآن الكريم قوله تعالى: {التَّائِبُونَ}[التوبة: من الآية112]، {التَّائِبُونَ}، يصبح صفة مستمرة؛ لأنهم يلازمون التوبة، يلازمون الرجوع إلى الله “سبحانه وتعالى”؛ استشعاراً للتقصير، وتلافياً للتفريط، وتداركاً من المعاصي والذنوب، وبحالةٍ مستمرة”.

 

ويؤكد السيد القائد أن: ” المتقون دائماً يستشعرون التقصير والحاجة لطلب المغفرة ومهما كان عملهم، مهما كان عطاؤهم، مهما كانت تضحياتهم، فهم لا يصابون بالغرور، ولا يصلون إلى درجةٍ يفقدون فيها استشعارهم للتقصير، ويفقدون فيها شعورهم بحاجتهم إلى طلب المغفرة، هذه حالة بعيدة عن الإيمان، وحالة بعيدة عن التقوى، ولذلك يقول الله “سبحانه وتعالى” عن الربيين في القرآن الكريم، وهم من هم على درجةٍ عالية من الإيمان، والتضحية، والجهاد في سبيل الله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: الآية147]، في ذروة التضحية، في أشد المعاناة، وهم يتحركون في سبيل الله، يقاتلون في سبيل الله، يعملون في سبيل الله، فعندما يخفقون إخفاقات معينة، أو يعانون من المزيد من المعاناة والشدائد، أو يقدمون التضحيات الأكبر، فهم يرجعون إلى الله “سبحانه وتعالى”، ويلجئون إليه مستشعرين للتقصير، فيطلبون من الله المغفرة، من واقع استشعارهم في أعماق نفوسهم، في أعماق قلوبهم للتقصير أمام الله سبحانه وتعالى”.

مقالات ذات صلة