نص كلمة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خلال العرس الجماعي الأكبر 1443هــ

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

 

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

 

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

 

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.

 

أيُّها الإخوة الحاضرون جميعاً

 

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

 

نرحب بكم جميعاً، وفي المقدمة أصحاب المقام، أصحاب الشأن، أصحاب المناسبة، الإخوة العرسان، وكذلك كافة الحضور، وفي المقدمة الآباء العلماء الأجلاء، وكذلك المسؤولين الحاضرين من الدولة، وكافة الوجاهات والشخصيات، وجميع الحاضرين، نرحب بالجميع، في هذا اليوم المبارك، وفي هذه المناسبة الطيبة.

 

الاحتفال في هذا اليوم في هذه المناسبة، مناسبة العرسان والعرس الجماعي، مناسبة ذات قيمة إنسانية وأخلاقية ودينية، وذات طابع إيماني، نحن نقول لكل العالم: إن شعبنا اليمني (يمن الإيمان) بات اليوم متفرداً في كل المجالات ذات الطابع الإيماني، وهو يجسد هويته الإيمانية، وانتماءه الإيماني، كما في ميدان المعارك والتصدي للأعداء، والتصدي لجبروت الظالمين والمستكبرين، في ميادين التكافل والتراحم والميدان الإنساني، فها هو اليوم أكبر عرسٍ قد أقيم- لربما- في المنطقة العربية بكلها، وأكبر عُرسٍ قد أقيم في بلدنا اليمن على مر التاريخ، أكبر عرسٍ جماعي، أقيم ونحن في ماذا؟ في ذروة التحديات، في أشد الحصار والمعاناة، في مرحلةٍ صعبةٍ جداً، شعبنا يواجه فيها عدواناً كبيراً تحالفت فيه قوى الطغيان والإجرام، من الكافرين والمنافقين، لكن بالرغم من كل المعاناة، والصعوبات، والتحديات، والحصار على أشده، والظرف الاقتصادي الصعب، فإن شعبنا ليس فقط يتجه في ميدان التكافل والتراحم، على مستوى الحفاظ على المعيشة في حدها الأدنى في الأكل والشرب، وإنما يحافظ أيضاً على مسيرة حياته في كل جوانبها، وفي مقدمتها الجوانب الاجتماعية.

 

مما حرص عليه الأعداء أن يحاربوا كل ظواهر الحياة في بلدنا، حرب على الحياة بكل ما في الحياة، فهم يقتلون بالسلاح، وهم يسعون إلى إركاع هذا الشعب وإذلاله، والانتقام منه وإخضاعه، بالتجويع والحصار، وهم أيضاً يستهدفونه بالحرب الناعمة؛ لإفساد شبابه وشاباته، وكباره وصغاره.

 

ولكن شعبنا، ومن واقع هويته الإيمانية، وانتمائه للإسلام، الانتماء الصادق، وثباته على مبادئه وقيمه، التي توارثها جيلاً بعد جيل، هاهو يجسد مبدأ التراحم والتعاون على البر والتقوى والتكافل، وهاهو أيضاً ومن خلال اهتمامه بفريضةٍ من الفرائض العظيمة، وركنٍ من أركان الإسلام، يقدم درساً في التماسك الاجتماعي، وهو يتقدم خطوات في هذا المجال إلى الأمام.

 

نحن اليوم كما نرى القيمة الإنسانية والأخلاقية والإيمانية لمبدأ التكافل في الإسلام، الذي هو مبدأٌ إسلاميٌ كما هو إنسانيٌ، ويقدم صورةً مشرقةً عن عظمة الإسلام، وعن رحمة الله “سبحانه وتعالى”، وعن تدبيره الحكيم والرحيم لشؤون عباده، نحن اليوم أيضاً نقدم رسالة صمود، صمود في مواجهة الأعداء، ومواجهة كل التحديات التي هي نتاجٌ لمؤامراتهم ومكرهم، وظلمهم وحصارهم، ومؤامراتهم المتنوعة والشاملة لاستهداف شعبنا العزيز، إننا نؤكد للجميع ونذكر الجميع بالأهمية الكبرى لفريضة الزكاة، عندما نرى ثمرة هذه الفريضة وأثرها على المستوى الاجتماعي في إغاثة الملهوفين، في العناية بالمحرومين على كل المستويات: في لقمة المعيشة، في القوت الضروري، وكذلك في مختلف المجالات، ومنها هذا الجانب: التزويج للشباب، هذا جانبٌ مهمٌ جداً.

 

على مدى عقودٍ مضت من الزمن كانت هذه الفريضة مغيبة وضائعة، ومهدرة ومستغلة على نحوٍ سلبيٍ فيما يؤخذ منها، ولكنا اليوم ولأن هناك توجهاً من منطلق الهوية الإيمانية من هذا الشعب، وجهات تتحرك للعناية بهذا الركن العظيم من موقع المسؤولية والحرص والوفاء، الحرص على أن يكون أداؤهم مطابقاً لتوجيهات الله سبحانه وتعالى، وتعليمات الله سبحانه وتعالى، والتحرك بأمانة ومسؤولية لجمع هذه الزكاة، ولصرفها على نحوٍ صحيح، بكل أمانة، وبكل اهتمام، وبرحمة، هم يجسدون مبادئ الإسلام وقيمه، ويحملون روحيته رحمةً بالناس، وحرصاً على خدمة الضعفاء والمساكين والمحتاجين والمعوزين.

 

المسؤولية على الجميع، على كل المكلفين الذين يقع على أعناقهم هذا الحق والواجب، وهو إخراج الزكاة، وفي مقدمتهم رجال المال والأعمال، والمؤسسات والشركات، وسائر المكلفين الذين يقع على عاتقهم هذا الحق، باعتبار الظروف والمعاناة التي يعيشها شعبنا، معاناة حقيقية، معاناة كبيرة جداً، نسبة الفقر واسعة جداً، حجم المعاناة كبيرٌ جداً، ومستوى الاستهداف من الأعداء، وفي مقدمته الاستهداف الاقتصادي، والاستهداف للناس في معيشتهم وفي وضعهم المعيشي استهدافٌ كبيرٌ جداً، فمن جانب أنها ركنٌ من أركان الإسلام وفريضةٌ إلزاميةٌ عظيمة، الإخلال بها نقصٌ في الدين، وتفريطٌ كبير، يصل إلى درجة ألَّا تقبل من الإنسان حتى صلاته، كما في الرواية عن رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، لا تقبل صلاةٌ إلا بزكاة، من عليه حق الزكاة ثم لا يخرجه، لا تقبل منه حتى صلاته، ولا يقبل شيءٌ منه من دينه، من أعماله الصالحة، من إحسانه، كل ذلك لا قيمة له عند الله، وليس له عليه أجرٌ ولا ثواب، فالمسألة مهمة جداً بكل الاعتبارات، في أهميتها الدينية عند الله سبحانه وتعالى في موقعها في الإسلام كركنٍ من أركان الإسلام، وأيضاً مع ذلك في قيمتها الإنسانية، في أهميتها على المستوى الاجتماعي، أن يعيش مجتمعنا في إطار التكافل، والتراحم، والتعاون على البر والتقوى، أن يعيش في حالة وئام وإخاء، وتنخفض نسبة الجرائم والمفاسد، وأن تتعزز الروح الأخوية مع القيم والمبادئ الطيبة، وأن يحافظ الناس على كرامتهم، وأن ينموا كل القيم الإيمانية والدينية والإنسانية في واقع حياتهم، فيتحول هذا الواقع الداخلي إلى واقع نموذجي في قيمته ومستواه الإنسانية والأخلاقية والقيمية، وفي مستوى التكافل والتعاون والصمود، والتصدي للمشاكل، والتقليل من كثيرٍ من المشاكل، بل والحيلولة دون وقوع الكثير من الجرائم والمشاكل، للمسألة أهميتها الكبيرة بكل الاعتبارات.

 

فلذلك مع كل هذه الاعتبارات: ركن من أركان الإسلام، فريضة عظيمة ذات أهمية كبيرة في دين الله، وفي الانتماء الإيماني، ذات أهمية إنسانية وقيمة أخلاقية عالية، ذات أثر كبير جداً في تحمل الظروف، وفي الصمود في مواجهة التحديات، وفي التصدي لكل مؤامرات الأعداء، وذات أثر إيجابي على المستوى الاجتماعي، وذات تأثير كبير على مستوى الأمن والاستقرار، وعلى مستوى ازدهار الحياة والجو الإيجابي الإنساني الأخوي والرشيد والسائد فيه القيم، بكل هذه الاعتبارات، مع وجود جهة هي هيئة الزكاة، عليها من الإخوة القائمين من نثق بهم في إيمانهم، في حرصهم، في اهتمامهم الكبير، في رحمتهم بالمستضعفين، في حرصهم على أداء مسؤولياتهم بكل جد، بكل مسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، باستشعار للمسؤولية أمام الله، باهتمام كبير.

 

فنحن نأمل أن يكون هذا اليوم المبارك، الذي أقيم فيه- كما قلت في البداية- أكبر عُرسٍ في تاريخ اليمن بشكلٍ جماعي، يقام على مبدأ التكافل الاجتماعي، ولربما هو أكبر عرس أقيم على مستوى المنطقة العربية بكلها، هذا درس يعبر عن هذا الاهتمام، عن هذه الأمانة، عن هذا الوفاء، ويدل بشكلٍ واضح على القيمة الإنسانية والأخلاقية، والثمرة الطيبة لإحياء هذا المبدأ العظيم، ولإخراج هذه الفريضة، وبركاتها أوسع، بركاتها بكل ما يترتب عليها من آثار إيجابية، وأخلاقية، وإيمانية، وإنسانية، وأخوية، بركاتها كبيرة، الله “سبحانه وتعالى” مع التقوى، مع التراحم يرحم، مع التكافل يمن من واسع فضله، تأتينا رحمة الله “سبحانه وتعالى” بقدر ما نتقي الله “جلَّ شأنه”، بقدر ما نقوم بمسؤولياتنا وواجباتنا، بقدر ما نتراحم ونهتم بفقرائنا وضعفائنا، والمساكين والمعوزين والمحتاجين، وفريضة الزكاة من خلال الهيئة القائمة عليها بكل جدٍ واهتمام اهتماماتها واسعة، فعلى مستوى الاهتمام بالفقراء، مئات الآلاف من الفقراء وصلت إليهم هذه الأمانة عبر هذه الهيئة، ووصلت إليهم الرعاية عبر هذه الهيئة، مشاريعها المتنوعة، على مستوى التمكين الاقتصادي، اهتمامها أيضاً بالغارمين والدفع التي أخرجتها من السجون، نتائجها نتائج ملموسة واضحة، معروفة وبينة وتتزايد، كلما كان هناك اهتمام، كلما كان هناك جد في إخراج الزكاة، كلما توسعت دائرة العطاء، وإخراج هذه الفريضة والقيام بها؛ كلما لُمِست أكثر وأكثر ثمرات ذلك عبر هذه الهيئة المباركة، التي تساعد الجميع على أداء أفضل دور لهذه الفريضة العظيمة.

 

فنحن نحث الجميع على إخراج زكاتهم؛ باعتبار ذلك فريضة عظيمة، وباعتبار ذلك شيئاً مهماً على مستوى الواقع الداخلي بكل الاعتبارات والحيثيات.

 

الجانب الآخر أيضاً نؤكد بشكلٍ كبير على أهمية تيسير الزواج، وتخفيض تكاليفه، هذا أيضاً عاملٌ مساعدٌ بشكلٍ كبير على تيسير أمر الزواج، وعلى أن يتمكن الملايين من أبناء هذا الشعب من الوصول إلى هذه المسألة الإنسانية الملحة، ذات الطابع الإنساني والإيماني والأخلاقي، أن يتمكنوا من الزواج، في هذا أهمية كبيرة على المستوى الاجتماعي، ولتحصين الناس، وتحصين الشباب، وله أهمية كبيرة جداً كحاجة إنسانية، ضرورة إنسانية، الزواج ضرورة إنسانية، وإذا أصبحت هناك العوائق الكثيرة أمام هذه الضرورة، يترتب على ذلك أضرار، ومفاسد، وسلبيات، ومخاطر، وجرائم، ونتائج خطيرة جداً تؤثر على المستوى الأمني، والأخلاقي، والاقتصادي، وعلى كل المستويات، على المستوى النفسي والاجتماعي والصحي، على كل المستويات، فهذه الضرورة الإنسانية الله يريد منا أن نيسرها، لا داعي أبداً لأن تكون نسبة المهور مرتفعة، والتكاليف في الأعراس والشروط والمتطلبات مكلفة وكبيرة، هذا يمثل في واقع الحال عائقاً أمام الكثير من التمكن من تلبية هذه الضرورة الإنسانية.

 

هذا الموضوع يحتاج إلى استمرار في التعاون:

 

التعاون على المستوى الرسمي والشعبي.

التعاون على المستوى التوعوي والنشاط الاجتماعي.

تثبيت الاتفاقيات التي توقع، والوثائق التي تعتمد، في مقرارت في المحافظات بهذا الشأن، وحصل منها في كثير من المحافظات.

يستمر هذا الأمر بتعاون، مع التعاون من العلماء، وفي العمليات الإرشادية، وفي خطب الجمعة، وعلى كل المستويات، من أجل تيسيره؛ ليتمكن الكثير من تلبية هذه الضرورة الإنسانية.

 

هذه مسألة أيضاً نأمل- إن شاء الله- أن يكون يمن الإيمان متفرداً ونموذجاً راقياً لكل الشعوب الأخرى من أبناء أمتنا؛ لأنه يمن الإيمان، لأننا نقول دائماً ونذكر دائماً بما يعنيه قول رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، هذا من الإيمان، وهذا من الحكمة، هذا من الرشد، هذا من الرحمة، هذا من الكرم، هذا من العفة، كل القيم الإيمانية تجسد في كل هذه المجالات، فنحن نأمل- إن شاء الله- الاهتمام أيضاً على هذا المستوى.

 

إلى جانب الزكاة يجب أن تكون دائرة الإحسان بمستواها الواسع قائمة، التعاون ليس فقط على مستوى الزكاة، بالنسبة للميسورين، والإنسان يجب أن يكون بالدافع الإيماني حريصاً على أن ينفق، على أن يحسن، على أن يكون معطاءً، على أن يكون مهتماً بأمر الآخرين.

 

الهيئة- في نفس الوقت- كما هي تقوم بهذه الأعراس الجماعية، وقامت بهذا العرس، وليس فقط العرس؛ إنما تكاليف الزواج، هي ساعدت هؤلاء العرسان، هي أيضاً قدمت الكثير من المساعدات حتى خارج العرس الجماعي، هي تساعد الكثير ممن يحتاجون إلى المساعدة، ولكن هي ستؤدي- إن شاء الله- دورها بقدر ما تستطيع وعلى أكمل وجهٍ بتوفيق الله، ويبقى على الجميع الاهتمام بهذه الأمور، في دائرة الإحسان الواسعة، الاهتمام بالفقراء، الاهتمام في مسألة الزواج وتيسيره، ومساعدة المحتاجين إلى الزواج، والاهتمام أيضاً في كل المجالات، أن تكون حالة التراحم والتكافل قائمة على أوسع نطاق، خصوصاً ونحن في هذه المرحلة مع ارتفاع الأسعار، بما في ذلك ارتفاع أسعار القمح، على المستوى العالمي كان هناك زيادة في هذا الجانب، وشعبنا أيضاً متضرر على نحوٍ أكبر؛ بسبب الحصار من جانب الأعداء، كلما زادت المعاناة، يمثل التكافل والتراحم أهم وسيلةٍ نتقرب بها إلى الله في معالجة هذه المشاكل، في التصدي لهذه التحديات، في مواجهة هذه المؤامرات من جانب الأعداء، وسبباً لرحمة الله، سبباً لنيل البركات من الله “سبحانه وتعالى”.

 

فنحن نشيد بهذا الدور الكبير الذي تقوم به الهيئة، ومن يتفاعل معها من رجال المال والأعمال وكل المحسنين، ونسأل الله أن يبارك في الجميع، وأن يكتب أجرهم.

 

نسأل الله أن يبارك للإخوة العرسان، وأن يرزقهم الذرية الطيبة، وأن يكتب لهم ولأسرهم السعادة إنه سميع الدعاء، ونجدد المباركة والتهاني لهم، ونشاركهم من أعماق قلبنا في فرحتهم هذه، ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفق شعبنا لما يرضيه، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

 

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات ذات صلة