بين تصريحات قرداحي واستقالته.. سيادةُ وطن

دينا الرمـيمة

 

لم تكن تصريحاتُ وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، مسيئةً للنظام السعوديّ إلى الحد الذي أثار غضبهم وَجعلهم يشنون تلك الهجمة الشرسة والعدائية جِـدًّا عليه وعلى لبنان بكلها، مع أن قرداحي أوضح أن تصريحاته تلك والتي وصف فيها الحرب على اليمن بالعبثية أنها لم تكن إلا نصيحة محب بعد أن رأى أن سبع سنوات من الحرب لم تحقّق فيها السعوديّة أي انتصار وأن كُـلّ ما جنته هو زيادة رصيدها في القتل والتدمير وخسارة طالتها اقتصاديًّا وسياسيًّا!

 

السعوديّة ومنذ إعلان عاصفة عدوانها على اليمن وإلى جانب ما استجلبته من أسلحة وقوات عسكرية هي أَيْـضاً عمدت إلى شراء المواقف والولاءات والإعلام والمنظمات الحقوقية والإنسانية، بما يضمَنُ لها مسبقًا عدم إدانة ما ستقوم به من جرائم حرب بحق الشعب اليمني وعليه سارت تحت قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا، وفعلاً كان لها ذلك فالجميع كان يتغاضى عن كُـلّ ذلك الإجرام والحصار والانتهاكات والتدمير للبشر والحجر باليمن.

 

وكما ظنت السعوديّة أن كُـلّ تلك القوة التي دخلت بها اليمن ستمنحُها النصر هي أَيْـضاً ظنت أن شراءَها للمواقف والإعلام وكثيراً ما عولت على مالها ونفطها بأنهما سيمنحانها نصراً مؤزراً وجرائم تدفن تحت الثرى دون حساب!!

 

بَيْدَ أن بعضَ ظنونها كانت آثمةً، لا سيما مع تحَرّك الإعلام اليمني الذي كشف للعالم حقيقة جرائم عدوانها وحقيقة سير المعارك والهزائم التي لحقتها وأظهرت صورة للعالم عن اليمنيين الذين كسروا هيبتها وسطروا أروع البطولات ببأسهم وَبصمودهم الذي أذهل العالم.

 

من هنا بدأت الأمور تخرج عن سيطرة النظام السعوديّ وبدأت تتعالى الأصوات المنادية بإيقاف الحرب على اليمن وتغيرت الكثير من المواقف بل وخرج من يصف هذه الحرب ليس بالعبثة فقط إنما بالإجرامية والعدوانية والخبيثة والكثير من المسميات التي لم تغضب السعوديّة بل مضت بعدوانها غير مكترثة!!

 

وهذا ما يؤكّـد أن تصريحات قرداحي لم تكن هي السبب لكل تلك الزوبعة التي شُنت على لبنان وَقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها وخرج السبب الرئيسي لذلك في تصريحات وزير الخارجية السعوديّ الذي أوضح أن سبب الغضب السعوديّ على لبنان لم يكن إلَّا لأن حزب الله المدعوم من إيران مسيطر على الكلمة والقرار اللبناني!!

 

في محاولة منهم لتفكيك الحكومة اللبنانية التي ما لبثت أن رأت النور بعد غياب ما يقارب 13 شهراً في ظل أزمة عاشتها لبنان اقتصاديًّا وسياسيًّا لا أحد يشكك أن السعوديّة كانت من المتسببين فيها في محاولة لجر لبنان لحرب أهلية تخدم فقط الكيان “الإسرائيلي”!

 

ومع فشلها في مخطّطها السابق ورؤية لبنان تسير نحو الاستقرار والتعافي.

 

هَـا هي اليوم تعود لاستهدافه وانتهاك سيادته متخذة من قرداحي شماعة لشن حربها على حزب الله الذي رد مسؤولون فيه على وزير خارجيتها بأنه لو أن حزب الله مهيمن على لبنان، لكان رأى لبنانَ آخر، ولما كان لكل الطغاة في لبنان والمنطقة والعالم، أية كلمة هنا في لبنان، ولو كانت كلمةُ الفصل في لبنان لنا، ليس فقط لا نقبل أن يتعدى أحد على كرامتنا، وإنما الذي ينظر لنا بعين سوف نقلع له عينيه، ولكن ليس نحن من يأخذ القرار في البلد!!

 

وكأن التاريخ يعيد نفسه فبنفس الأسباب والذرائع التي شنت السعوديّة حربها على اليمن (محاربة أنصار الله، أتباع إيران) هَـا هي اليوم تتخذ منها ذريعةً لتدمير لبنان بما يؤكّـد أن النظام السعوديّ ليس إلا أدَاة خبيثة بيد الكيان الصهيوني وأمريكا يحركانها في وجه كُـلّ من يعارضُ سياستهما في الأرض العربية أَو يعلن تضامُنَه مع فلسطين!!

 

وهنا على لبنان أن يفهم حقيقةَ ما يحاك ضده وأن لا يسمح للنظام السعوديّ بفرض الإملاءات والشروط عليه التي بدايتها استقالة قرداحي واعتذار الحكومة اللبنانية للسعوديّة وهي بمثابة فتح ثغرة للنظام السعوديّ ويجعلها فيما بعد دولة مرتهنة لأرباب السعوديّة.

 

ويجب أن يكون الرد اللبناني على هذه العنجهية (الذي ينظر لنا بعين، سوف نقلع له عينَيه).

مقالات ذات صلة