ثورةٌ حرّرت اليمنَ من الوصاية

مجاهد أحمد راجح

 

تطلُّ علينا هذه الأيّام ذكرى ثورة الـ 21 من سبتمبر، ولكي نتذكرَ أهميّة تلك الثورة العظيمة من المناسب أن نستذكرَ الوضعية التي كان قد وصل إليها الوضع في يمننا الحبيب قبل الثورة، حَيثُ كان اليمن قد وُضِعَ ضمن البلدان المستهدفة من قبل أمريكا بتهمة الإرهاب، وتماهت السلطة والقوى السياسية مع سياسة أمريكا، وأصبح السفير الأمريكي هو الحاكمَ الفعلي لليمن، وهو من يرسم السياسات ثم ينزِّلُها عبر الرئيس بطريقة رسمية، وأحياناً يلتقي مباشرةً مع الوزراء ليوجههم، وأصبح يلتقي بالمشايخ ومكونات المجتمع المدني، كما عمل الأمريكيون على تغيير المناهج الدراسية ورسم السياسة الإعلامية، فأصبحت السياسةُ التعليمية والإعلامية في اليمن تدجِّن الشعب َاليمني للأمريكيين، وعملوا على إثارة النعرات الطائفية والحزبية والمناطقية، وخلقوا مشاكلَ وثاراتٍ بين القبائل اليمنية، وعزَّزوا كُـلّ عوامل الفرقة.

 

ووصل الحال أن يُسلِّمَ النظام السابق أسلحةَ اليمن الدفاعية إلى موظفة أمريكية لتقوم بتفجيرها، واستباحوا البلد بضربات أمريكية تقوم بها أمريكا متى تشاء، واتجه الأمريكيون إلى تغيير عقيدة الجيش القتالية، فرسموا له عدواً غير العدوّ الذي رسمه الله، ودفعوا بالسلطة لشن الحروب ضد أبناء البلد الأحرار، ثم سيطروا على الجيش تحت مسمى الهيكلة، فأصبحت للأمريكيين عدد من القواعد العسكرية منها قاعدة في وسط صنعاء، وأصبحت للأمريكيين السيطرة الأمنية على البلد، فانتشرت التفجيرات في المساجد والأماكن العامة، وثكنات الجيش والأمن، وتم اغتيالُ المئات من الشخصيات العسكرية والأكاديمية، وتساقطت الطائرات فوق صنعاء، وسيطروا على الاقتصاد: فجعلوه معتمداً على القروض الربويّة الخارجية، واعتُمدت سياسات البنك الدولي التدميرية، ولم يستفد اليمن من ثروته النفطية والغازية في تجاوز مشاكله الاقتصادية، وضعف الاهتمام رسميًّا بالقضية الفلسطينية، وعقد النظام السابق لقاءات سرية متتابعة في صنعاء مع الإسرائيليين للتمهيد للتطبيع مع إسرائيل في مسارات مرسومة، وكل ذلك أفشلته ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر.

 

لم تكن ثورة الـ 21 من سبتمبر ثورةً خَاصَّة بمكوِّنٍ بعينه، بل كانت ثورةً شعبيّة بامتيَاز، تحَرّك فيها كُـلّ الأحرار والشرفاء من كُـلّ المكونات الذين أدركوا خطورة الوضع في بلدنا، وخطورة ما يترتب على التفريط والتقصير من تبعات تدفع ثمنها الأجيال المتعاقبة، فكانت تلك الثورة التي كان توجّـهها وأجندتها شعبيّة يمنية، لا تخضع لأجندة الخارج، وظهر فيها إباء الشعب اليمني وحريته وعزته وهُــوِيّته الإيمانية بما تستمده من عون وتأييد من الله عز وجل، وظهرت أخلاق تلك الثورة العظيمة في اتّفاق السلم والشراكة التي عملت على توحيد كُـلّ القوى السياسية، وتم المحافظة على كُـلّ الممتلكات العامة والخَاصَّة ولم تحدث فيها ما يحدث في الثورات الأُخرى من سلب ونهب واغتيالات وتصفيات للخصوم.

 

ثورة الـ 21 من سبتمبر أخرجت اليمنَ من تحت الوصاية الأمريكية والسعوديّة، ووصاية الدول العشر التي كانت تتحكم بكل شيء في اليمن بقيادة السفير الأمريكي، وعاد اليمن بعدها إلى ما عُرف عنه من اهتمام بالقضايا المصيرية للأُمَّـة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأصبح اليمن إضافة نوعية وقوية إلى محور الجهاد والمقاومة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، وأصبح العدوّ الصهيوني يحسب له ألفَ حساب بعد أن كان قد ضمن عمالته وتطبيعه في عهد النظام السابق، بل إن رئيس وزراء العدوّ الإسرائيلي أعلن مخاوفه من الـ 21 من سبتمبر منذ بداية نجاحها، وخرج السفير الأمريكي من اليمن يحمل فشله وخيبة مساعيه في تدجين الشعب اليمني وإفساده وإخضاعه لأمريكا، وأدركت أمريكا خطورةَ هذه الثورة العظيمة، فلم تسمح لها أن تقدم نموذجاً ولو لعام واحد، فاتجهت بالعدوان على الشعب اليمني بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة، ولكننا سنستمر في ثورتنا لمواجهة العدوان الذي جاء ليحتلَّ الأراضي اليمنية، كما كان يريد قبل الثورة، ولا أدل على ذلك من القواعد الأمريكية والبريطانية أَو القواعد السعوديّة والإماراتية التي تعمل لصالح الأمريكي في سقطرى وجزيرة ميون وقاعدة العند والمهرة وغيرها، ستسمر ثورتنا حتى تحقيق النصر الكامل والاستقلال التام، وستكون هذه الثورة وذكراها منصة لتحرير الأرض من الاحتلال وتحرير الإنسان من الاحتلال الفكري والثقافي.

مقالات ذات صلة