الإمام زيد بن علي عليه السلام فاتح باب الجهاد والاجتهاد (3)

?? سيد الزاهدين??

كانت روح الإمام زيد عليه السلام تنطوي على معالي الأخلاق وجليل الصفات، فقد نذر نفسه لله وباعها منه، فلم تشغله الدنيا بزبارجها، ولا أخذته بحيلها، بل كانت سيرته سيرة الزاهدين المخلصين، العارفين بالله، المؤثرين ما عنده على ما في الدنيا الفانية؛ ولقد كان عليه السلام يدعو الله: ((اللَهُمَّ إني أسألك سُلُوّاً عن الدنيا، وبغضاً لها ولأهلها، فإنَّ خَيْرَها زَهِيْدٌ، وشرَّها عتيدٌ، وجَمْعَها يَنْفَدُ، وصَفْوَها يَرْنَقُ، وجديدَها يَخْلَقُ، وخيرَها يَنْكَدُ، وما فات منها حَسْرَةٌ، وما أُصِيْبَ منها فِتْنَةٌ، إلا من نالته منك عِصْمَةٌ، أسألك اللَهُمَّ العِصْمَةَ منها، ولا تجعلنا ممن رضي بها، واطمأن إليها، فإِنها مَنْ أمنها خانَتْهُ، ومن اطمأن إليها فَجَعَتْهُ، فلم يُقِمْ في الذي كان فيه منها، ولم يَظْعَنْ به عنها)).

وكان الإمام زيد يحث أصحابه دائماً ويحذرهم من الدنيا باعتبارها محطة السقوط، ومحل الاختبار، فكان يقول لهم: ((أيها الناس، أفضل العبادة الورع، وأكرم الزاد التقوى، فتورعوا في دنياكم، وتزودوا لآخرتكم))، ولم يكن ينصحهم بالقول وحسب، بل كان أسوة في الزهد والورع حتى شهد له بذلك من عرفه، فقال عنه عامر الشعبي: (ما رأيت أزهد من زيد بن علي)، وقال تلميذه أبو خالد الواسطي: (ما رأيت هاشمياً أزهد ولا أورع من زيد بن علي).

 

??فصاحة وبيان??

نشأ الإمام زيد عليه السلام في بيتٍ عرف أهله بالفصاحة والبيان، وامتد نسله بمن أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب، فكان عليه السلام من فرسان البلاغة، وأمراء البيان، وأفصح من نطق، وأرفع من تحدث، ولقد شهد له بذلك مشاهير الفصحاء والخطباء في زمانه؛ يقول خالد بن صفوان: (انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي)، وقال الشاعر الكبير الكميت بن زيد الأسدي وهو من فحول الشعراء عن فصاحة الإمام زيد: (ما رأيت قط أبلغ من زيد بن علي).

ولأجل فصاحة الإمام زيد عليه السلام، وقوة بيانه وتأثيره، فزع خصمه هشام بن عبدالملك، وهو ما دعاه إلى أن يكتب لواليه على العراق: امنع أهل الكوفة من حضور مجلس زيد، فإن له لساناً أقطع من ظبة السيف, وأحَدَّ من شبا الأسنة، وأبلغ من السِّحر والكهانة، ومن كل نفث في عقدة.

ويكشف هذا الفزع عن مدى بلاغته، وبراعة منطقه، وجمال أدبه، وهو ما دعا الناشئة في عصره إلى الاهتمام بحفظ كلامه، والإسراع إلى تعلمه كما يتعلم الواجب من الفرض، والسائر من المثل، والنادر من الشعر، ولقد ذكر في كتاب نور الأبصار أن عالم النحو الشهير سيبويه كان يحتج بما روي عن الإمام زيد من أشعار.

مقالات ذات صلة