الولايةُ بين غينين

زينب إبراهيم الديلمي

تلجأ ذواتُ التأمل أحياناً إلى مُناجاة ضميرها ويعتريها مسٌّ من الجهل في بعض الحقائق المُغيّبة عن موسوعة ما تلقيناه في المدارس.. وأنكاها خطراً غياب حقائق الأحقاب التي عاشها آل بيت رسول الله وخَاصَّة ما حدث في يوم الله الأكبر “يوم الغدير” التي أخفاها شياطين الوهَّـابيّة واستبدلوها بسقيفة الانحراف وهي أولى محطّات الانزلاق في شفير الولاية لعتاولة الاستكبار!

 

عندما نعود إلى عربة التاريخ والعبور في قطار الأحداث، تلتفت أفلاك البصيرة إلى أمر الولاية.. وأنّها أصبحت بين غينين أي “الغدير والغدر” فغين الغدير حوربت واستُهدِفت كرات مرات؛ لأَنَّها تضمّنت بين دفتيها المسار الصّائب لمفهوم التولّي لله وللرسول ولمن أصبحت ولايته موجبة ومُلزمة على المسلمين جمعاء.. وهو ولاية سيد الوصيين وإمام المُتقين -علي بن أبي طالب عليه أزكى الصّلاة وَالسّلام-؛ ولأنّها من مظاهر رحمة الله تعالى على الأُمَّــة الإسلاميّة أن يكون ولي أمرها من بعد رسوله الكريم أحد ذراري الطُهر وَخيرة الأخيار وأزكاهم فضيلةً وأجدرهم علواً ومسؤولية لتحمل هذه المنزلة المُحباة إلهياً.

 

وسارعت غينُ الغدر في حيكةِ نزوتها مُبكراً، حَيثُ هندست شريان الانحراف بدءاً من اعتلاء الطاغية معاوية عرش الحكم في الشّام واكتسح هيلمان جبروته إلى حين ميعاد مكيدة السّقيفة التي شكّلت عبئاً ووباءً تؤرق ضمائر الأُمَّــة بالاتّجاه نحو التجاهل لنواميس وسنن الله، والإعراض عن الاستجابة لأمر ولاية الإمام علي عليه السّلام!

 

وفي هذا المضمار السيء تجنّد من وقعوا في كمين الغدر إلى ولاية الشيطان وإبداء العبودية المُذلّة لأنظمة التصهين والأمركة.. وتجلّى للعيان دناءة النظامين السعوديّ والإماراتي ومن سار في ركابهم مدى خنوعهم واستسلامهم وولائهم المُطلق للطّاغوت من اليهود والذين أشركوا، مضمار ترك مآلاته تتقهقر إلى سبل الابتعاد عن الهداية والنّور الإلهي، وسقيفة الأمس خصالاتها المُتجسّدة في سقيفة اليوم.

 

رغم مرور ما يُقارب الألف وأربعمِئة واثنين وأربعين عاماً من هذه الذكرى الغرّاء والغاليّة في وجدان الأُمَّــة التي تقلّدت في صدرها وسام التولّي للإمام الوصي ومحبة آل البيت -عليهم السّلام أجمعين- ولاسيما الشعب اليمني الذي يُزجي باقات الفضل والوداد للمسيرة القرآنية العظيمة التي رفعت منسوب هذا الشعب المنطلي عليه آنذاك خدائع الأنظمة الممدودة يدها لجِبت الطُغاة، ورممت ما بناه الأعداء من أفكار قادت مُعتقداتها الباهتة إلى استباحة هُــوِيَّة اليمن الإيمانيّة.

 

ورغم ثكنات الألم المتسبب به شراسة العدوان وضراوة الحصار إلا أنّ الإمام علياً حاضر في كينونتهم وكيانهم، ونفيس الغدير تتجدد عبقها كُـلّ عام مُزدانة بالولاء المُقسم بالبقاء على قويم الاتباع لمن هم أحق وأجدر بالولاية.

 

وصدق شاعر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- حسان بن ثابت حين استوقف شعره في المقام الحيدري إبان تنصيب الإمام علي ولياً وأميراً للمؤمنين:

 

فمن كنتُ مولاه فهذا وليه

 

فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا

 

هناك دعا اللهم والِ وليَّه

 

وكن للذي عادى علياً مُعاديا

مقالات ذات صلة