الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفة وتأمل

عمران نت / 29 / 10 / 2019

// مقالات // محمد القعمي

لنبدأ موضوعنا بمسألة الاحتفال لنتحدث عنه من الناحية الشرعية الدينية فيما يتعلق بالجواز من عدمه ولنعرف هل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة أم لا هو سنة حسنة ؟

وقبل ذلك لنتعرف على الحفل من الناحية اللغوية وننقل هنا عن المعجم الوسيط قال : ( حَفَلَ ) الماءُ واللبنُ – حفولاً : اجتمع.

والقومُ : احتشدوا .. ويقال : حفل الوادي بالسيل : امتلأ به.  والنادي بالقوم امتلأ بهم .

وحفل بالشئ والأمر : عُنيَ به وبالى به . )

أي ذكره واهتم به والتفت إليه وصار متوجهاً نحوه لأهميته وعندما لايهتم الإنسان بالأمر أو الشيئ يقال لم يحفل به

(احتفل) الشيئ : اجتمع يقال احتفل القوم في المكان ..

ويقال احتفل الطريق ظهر واستبان والمرأة : تزينت..

(الحفلُ) من كل شيء : ما اجتمع منه. -والجمع العظيم

(والحفلة) : الزينة . والاحتفال . يقال : أقام له حفلة استقبال . والمبالغة في الأمر والاهتمام به . أھ)

إذن ومن خلال ما سبق من المعاني نجد الاحتفال يراد منه الاجتماع والجمع العظيم والزينة والظهور والاستبانة والمبالغة والاهتمام ..

وبناء على ما سبق نجد أن الاحتفال وسيلة يستفيد منها الناس لخدمة أمور تعنيهم وتهمهم فهل استفاد ديننا من هذه الوسيلة (الاحتفال) ؟

لاشك أن الاحتفال بمعني الجمع والاجتماع هو أمر فطري بالنسبة للإنسان ومن ضمن ما يُعرف به الإنسان هو أنه مخلوق اجتماعي سواء فيما يتعلق بقضية التواصل والعلاقات الإنسانية أو في غير ذلك من الأهداف والغايات التي يحرص البشر على حصولها وتحقيقها بالاستفادة من التجمعات البشرية هناك فوائد للناس من وراء الجمع العظيم من الناس سواء كان جمع آني كالاجتماعات التي يدعون إليها لغاية معينة وهدف مقصود أو الاجتماع في مناسبات اجتماعية أو دينية كل ذلك يعبر عنه بالحفل حتى أن (الحافلة) سميت حافلة لاستيعابها لجمع من الناس أكثر مما تستوعبه غيرها من السيارات أي أن الإنسان يستفيد من الحفل والاحتفال في أغلب تفاصيل حياته في الجوانب الدينية والاقتصادية كالأسواق والمعارض السنوية والمناسباتية التي يقيمها التجار للعرض والترويج والاجتماعية كالأعراس وغيرها والعلمية والفكرية والوطنية والقومية وهكذا كلما تطور واقع الحياة البشرية تطورت أساليب الاستفادة من الحفل والاحتفال واتسعت مجالات ذلك باتساع مجالات الحياة وتنوعت بتنوعها ..

فإذن الحفل والاحتفال من حيث هو وفي حد ذاته ليس هناك في دين الله ما يمنع منه لأنه أمر تدعو إليه الفطرة ودين الله هو دين الفطرة ولو نظرنا في الواقع الاجتماعي للبشر على اختلافهم وتنوعهم وتباعدهم لوجدناهم يستفيدون من الحفل والاحتفال في مختلف أعمالهم ومناسباتهم .. أما بالنسبة للدين فسنجد أيضاً أنه اهتم بهذا الجانب في تبليغ رسالات الله وفي الدعوة إلى دين الله وتعريف الناس بالحق الذي جاءهم به الأنبياء من عند الله والقرآن عرض نماذج منها

1- قصة موسى فيما حصل بينه وبين فرعون (وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (٥٦)’قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (٥٧)’فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨)’ [سورة طه]

فرعون بعد تكذيبه ومعاندته واتهامه لنبي الله موسى(ع) بالسحر فأراد أن يجمع بينه وبين السحرة وطلب منه أن يضرب لهم موعد يكون زمانه ومكانه معلوم للجميع (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩)’ [سورة طه]

يوم الزينة هو كما يبدو يوم من الأيام التي يحتشد فيه الناس للفرحة كما يقال اليوم كرنفالي واحتفال بهيج يبتهجون فيه بالزينة والاجتماع وهذا يفهم من (يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) فالزينة تفهم أنه للفرح والابتهاج والحشر يفيد أنه جمع عظيم وهذا واضح وبديهي فانظر من هو الذي قال (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)؟

هو نبي الله موسى عليه السلام أراد أن يستفيد من الحفل والاحتفال الذي كان أهل مصر في ذلك الزمان يقيمونه أما ما كان وما هو موضوعه هذا لا يهمنا فالمهم هو ما له علاقة بالاحتفال نفسه وهنا نجد أن الله ما نهى عنه ولاحرمه بل لقد هدى نبيه موسى للاستفادة منه في المواجهة التي أرادها فرعون ليظهر الحق ويستبين لقطاع واسع من الناس والظهور والبيان من الأهداف الأساسية في دين الله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)’ [سورة التوبة]

وظهور الهدى ودين الحق هو أمر يفزع منه الطواغيت والمبطلون وقد عبر فرعون بعد هزيمته عن حالة الفزع والخوف هذه بقوله الذي حكاه الله عنه في القرآن بقوله (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦)’ [سورة غافر]

وهذا يوضح مدى الهزيمة الكبيرة والواسعة التي تعرض لها أولاً بانتصار الحق على يد رسوله موسى عليه السلام ثانياً بإيمان السحرة وكل ذلك كان على مرأى ومسمع ذلك الجمع في يوم الزينة الذي يأتي إليه الناس من مختلف نواحي مصر أي أن ماحصل بين نبي الله موسى عليه السلام وبين فرعون وما حصل بينه وبين السحرة حضره ذلك الحشر والحشد الكبير من أهل مصر ونقلوا تفاصيله إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم ومختلف مناطقهم وذلك هو الذي سبب لفرعون الفزع والخوف انتشار ما جرى بين أهل مصر وإيمان السحرة كان هو ذلك الإيمان الذي أربك فرعون مباشرة لذلك حاول أن يغطي على تداعياته (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ (٧٠)’ [سورة طه]

هنا سارع فرعون لتدارك الأمر قبل فواته (‘قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ (٧١)’ [سورة طه]

وهنا يبرز موقف عظيم لأولئك السحرة موقف يتوضح من خلاله عظمة الإيمان الواعي كيف يجعل الإنسان لايبالي بكل أشكال الوعيد والترهيب والتخويف ولا بمختلف أساليب التعذيب وصور القتل التي أراد منها فرعون أن يزرع الخوف الشديد والرعب والفزع في قلوبهم وقلوب الناس ولعله صب جل اهتمامه إلى الناس ليحملوا معهم أيضاً ما توعد به فرعون السحرة وما فعله بهم لكن موقفهم كان على مستوى عال في الإيمان واليقين الذي وصلوا إليه (‘قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)’إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (٧٣)’إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (٧٤)’وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (٧٥)’جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ (٧٦)’ [سورة طه]

وهذا الموقف أفزع فرعون بنفس مستوى فزعه من انتصار موسى عليه السلام لذلك بادر لمعاقبتهم إلا أن تخويفه لهم لم يؤثر عليهم فيهتزوا أو يؤثر في قرارهم الذي اتخذوه ولو بنسبة بسيطة بل ازدادوا إيمانا وثباتا وقوة وصبرا وتماسكاً جعلهم يقدمون أروع صور التضحية ويؤدون عن الله في ذلك الموقف بذلك الشكل الذي بدأوا به ردهم على تهديد فرعون (‘قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ )

هنا عملوا مقارنة وعرضوها في ذلك المكان والموقف وأمام الناس وكأنهم قالوا له نحن الآن أمام خيارين إما أن ننحاز إليك فنكذب بالبينات التي جاء بها موسى وهارون من عند الله وعرفنا كما عرفت أنها ليست سحراً وأنها فعلاً من رب العالمين الذي فطرنا ولايمكن أن نؤثرك ولو توعدتنا وهددتنا بما توعدت وهددت (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢)’إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) أنت لاسلطان لك إلا على أجسادنا وهو سلطان مدته قصيرة وليس له أي امتداد أما سلطان الله ووعده بالخير ووعيده وعذابه فهو الذي يملك الدوام والبقاء والامتداد وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله هو الذي وعده ووعيده في هذه الحياة الدنيا وكذلك يمتد إلى الآخرة وقد عبروا عنه بقولهم (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (٧٤)’وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (٧٥)’جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّىٰ )

والخلاصة هي أن الاحتفال بأي أمر ما لم يقترن بحرام فهو مباح بل وله أثر إيجابي في إظهار الحق وإبرازه بين الناس وإيصاله إلى أبعد مكان وأكثر عدد وباختصار للجهد والتكاليف والزمان والمكان والكيفية والقصة تعطي دروس مهمة في هذا الجانب أهمها كيف أن نبي الله موسى عليه السلام استفاد من الاحتفال لإظهار دين الله وإبانته للناس بشكل لم يكن ليتوفر له لو أن ما حصل كان داخل قصر فرعون أو في مكان محصور ليس فيه ذلك الجمع والاجتماع والحشد الكبير وهذا يقدم لنا أهمية الاحتفال بالنسبة لكل ما له علاقة بديننا وهذا واضح

2- قصة قوم نبي الله لوط عليه السلام

قال الله تعالى (.. وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩)[سورة العنكبوت]

هذا النص جزء من حوار نبي الله لوط عليه السلام مع قومه هو في

خطابه وكلامه الموجه إليهم لم يذهب لتحريم النادي ولا سارع بإصدار

فتوى أن النادي حرام أو ما شابه لكنه ركز على ما يفعلونه فيه (.. وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ..) إذن الشرع لايذهب نحو الهوامش ولكنه يكون في مواجهته مع الباطل والشر والمنكر والفساد ؛ متجهاً وبصورة مباشرة نحو المحتوى والمضمون لما يحصل في ذلك المكان نحو المفسدين الذين يأتون المنكر أما النادي من حيث هو فليس أكثر من مكان بإمكانك أن تملأه بالطهر والخير والمعروف وأن تجعل محتواه أكثر نزاهة وقداسة (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (١٩٣)’رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (١٩٤)’فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)’ [سورة آل عمران]

لكن ماذا لو أننا نظرنا إلى أصحاب فتاوى التكفير ومشائخ الوهابية الذين تشددوا وانغلقوا أمام الواقع والناس حتى ظهروا بكل أشكال الغلو بغير الحق والتوحش وقدموا شاهداً مشوهاً عن الدين حتى نفروا منه ليس الأجانب بل وحتى الكثير من ضعفاء النفوس وناقصي الوعي وقليلي المعرفة بحقيقة وجوهر الدين من المسلمين الذين لم يدركوا أن كل حصل في الدين ودخل عليه من خلال الجماعات الوهابية والعناصر الإجرامية الوحشية الاستخباراتية التي ترفع يافتة وشعار الدين ويبرزونه كعنوان لكل جرائمهم وانحطاطهم وتوحشهم إنما ذلك من أعمال دوائر الاستخبارات وهو عمل ممنهج يسعون لتقديمه وإبرازه وإظهاره على أنه الإسلام وهؤلاء هم المسلمون..!!! ومعلوم أن ذلك لايمت للدين بأي صلة بل الدين يحذر منه ويؤكد على مجانبته والابتعاد عنه لأن الإسلام هو الدين الأكثر سمواً ورقياً وطهراً وانفتاحاً على الحياة في مسارها الطبيعي المتوائم والمتلائم مع الفطرة السليمة

التي لم تلوثها أجواء الفساد والرذيلة وتنحدر بها نحو السقوط عن المستوى الإنساني إلى الحضيض الحيواني البهيمي المغرق في الأمور السفلية والمنهمك الراتع في مراتع الدنايا الوبية ، لكنه الانفتاح في كل ما هو راقي وكل ما يحفظ للإنسان إنسانيته ويحصنه من كل ما يمسخ آدميته بل ويرتقي به في مراقي السمو البشري (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)’قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)[سورة الأعراف]

فكل ما تجاوز المقدار والحد الذي رسمه الله لحياة هذا الكائن البشري وهذا المخلوق الآدمي على هذه الأرض هو ابتعاد عن الفضائل وذهاب نحو الرذائل وخروج عن الفطرة وخلع للباس الكرامة والشرف الذي شرف الله وكرم الله به بني آدم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)’ [سورة الإسراء]

ولا تجد في أمة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من يهبط عن هذا التكريم الإلهي والتفضيل الأشرف في مجالاته ومساراته نحو الكمال والارتقاء إلا من انتمى إلى الإسلام وارتبط به من خلال التوجهات المنحرفة التي لا تلتقي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طريقه ولا في مشروعه ولا في أعلامه وهداته وما جاء به من الهدى والنور وإن ادعت وادعى أصحاب المناهج التي تخلق التباين والتنافر والتناحر وتظهر ذلك الظهور الذي لا يقدم الكمال ولا يعطي الجاذبية لهذا الدين العظيم والجذاب وإن ادعت أنها هي الممثل الشرعي والأوحد للدين ولن نجد في واقعنا النموذج الأسوأ والأردأ في تدينه وعلاقته بالدين وعلاقته بالله ورسوله مثل الوهابية يقول الشهيد القائد الحسين بن بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه وهو يتحدث عن الوهابية من جانب تعاملهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول (لاحظوا كيف عندما جاء من يتعامل مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كمحمد، ومع كلمة: [رسول] أنه رسول من طرف القرية يأخذ مكتوباً ويسيره للآخرين ومع السلامة ثم مات. الوهابيون عندما انطلقوا هذا المنطلق فعملوا على أن لا تُخْلق لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عظمة في النفوس كيف تَجَنَّوْا عليه، وكيف أصبحوا هم في أنفسهم أجلافاً غلاظاً قساة، ترى [المطوع] فعلا أليس المطوع هو الذي هو عادة رجل الدين الذي يجب أن تبرز على ملامحه سيماء الدين والتقوى والخلق الحسن واللطف واللين والبشاشة؛ لأنه يجب أن يتحلى بأخلاق يقتبسها من عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي قال الله عنه {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4)، تجدهم هناك جفاة غلاظ قساة! مَن منكم رأى مطوُع ينشد إليه قلبه ويرتاح له كل من راحوا يعملوا هناك أو حجوا؟ تراه ترى ظلمة، ترى جفوة، ترى قسوة، ترى غلظة، ترى جفاء. أحيانا أرى فعلاً مطوعاً وأرى شخصاً آخر بدون ذقن ويبدو لي هذا إنساناً دَمْثاً لطيفاً عليه سيماء هدوء ورزانة لين، ترى أنك قريباً له, تراه طبيعي بالنسبة لك، وذلك المطوع تراه مظلماً في شكله، في كلامه، في حركاته. تراهم عند قبة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يحاولون أن لا يظهر في أوساط الزائرين له (صلوات الله عليه وعلى آله) ما يكشف عن تعظيمهم له، أصبح التعظيم في نظرهم شركاً، التعظيم الذي هو الغاية التي تراد من خلال ترسيخ مبدأ كمال هذا الرجل (صلوات الله عليه وعلى آله) أن نجِلّه أن نحترمه، أن نعظمه، أن نقدره، أن نذوب في ولاءنا له، يركلون الناس بأقدامهم، متى وقف شخص يريد أن يمسح ويقبل حجراً متصلة بتربة لها علاقة على بعد أمتار بجسد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، أليس هذا يعني أنه يحبه منشد إليه؟. هؤلاء بجفوتهم بغلظتهم بوحشيتهم عند قبره يركلون الناس بأقدامهم؛ لأنهم تربوا على ماذا؟ على مسح الشعور بأنه عظيم.)المائدة الدرس2]

وإذا تأملنا في هذا الكلام القيم للشهيد القائد رضوان الله عليه ندرك خطورة الأثر والمردود السلبي لذلك التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكيف انعكس على واقعهم وسلوكهم وأخلاقهم وطباعهم وحتى مظهرهم وشكلهم ..

وهم نفسهم الذين يصدرون الفتاوى كل عام وبالذات عندما يحتفل المسلمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ربيع ميلاده الممتد بغاية وجوده المعاصر بسنا شروقه والمتجدد بتجدد حضوره والذي كلما أطل بشذا طيبه وجدت لإطلالته أنساً وشعرت بظِلال رحمته تظلك بألوانها الزاهية البهية العاطرة الندية الزاكية الشذية ..

لكن أولئك القوم لايكاد يبدو ربيع ويسر بمقدمه الجميع لكونه يأتي بأنفاس النبوة وذكرى مسك ختامها وشرف مقامها ترى الوهابيين يشتغلون على كل منبر لإصدار فتاوى تحريم وتجريم الاحتفال برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حالة صد عن الله لايشعرون بها .. تلك الفتاوى وأولئك المشائخ وهم يظهرون في القنوات ليقولوا للناس أن الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعة وإلى آخر ذلك الضجيج والهذيان الذي يسيل من أفواههم وقنواتهم هم لايخدمون دين الله بالقدر الذي يخدمون بما يفعلونه أولياء الشيطان لأن الذي يجد نفسه لايفرح بمولد خير البرية وسيد البشرية هو يعيش حالة شيطانية ولو تأملت وفكرت في كل من لايحبون أن يذكر نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أن يحتفل به ثم سألت نفسك من هو أول المستفيدين من تلك الفتاوى وما يتكلم به المفتون ؟ لوجدت أن الشيطان سيكون أول من يظهر لك على رأس القائمة هو الذي يفزع من ذكر الصالحين وأولياء الله المحقين فكيف عندما تحتفي وتحتفل بنبي لاشك أنه سيقيم مناحة ومندبة وسيرتفع عويله وسيعوي كما يعوي أولئك في قنواتهم وندواتهم ومنابرهم ثم كيف لو كان هذا النبي العظيم والرسول الكريم هو الحبيب المصطفى والنبي المجتبى ؟!!

ولو رجعنا إلى الماضي لوجدنا هؤلاء الوهابية لايكونون إلا في دار الندوة مع الشيطان الذي ترأس اجتماع المكر السيئ والتآمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)[سورة الأنفال]

وسنجدهم أشد الناس حزناً لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجا من تلك المؤامرة التي استهدفت حياته ولايمكن على الأطلاق أن نتخيلهم بين أهل المدينة وهم ينتظرون مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك اللهفة والبهجة والفرحة والسرور لا على النخل ولا على تلة أو مرتفع ليكونوا أول من تكتحل عيونهم برؤيته وأول من يتشرفون بالنظر إلى طلعته ولا بين الذين اصطفوا ليستقبلوه بذلك النشيد الذي تغنت به أفواه الزمان وأنشدت بالغرام في حبه العصور والأيام وبقي إلى يومنا هذا وعصرنا هذا لحناً للعشق الأطهر والحبيب الأنور حين رأوه في سماء عالمهم وعصرهم بدراً منيراً وطيباً عانق أثيراً

فأنشدت قلوبهم قبل أن تنشد أفواههم :

طلع البدر علينا ،،، من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ،،، ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا ،،، جئت بالحق المطاع

جئت شرفت المدينة ،،، مرحباً ياخير داع

هل تعتقد لو أن الزمان يعود بنا إلى ذلك التاريخ أنك سترى هؤلاء الأجلاف غلاظ الطباع وقساة القلوب بين أهل المدينة وهم يحتفلون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واعتبروا قدومه شرفاً يستوجب الشكر ؟! أم تعتقد أنهم سيكونون بين من يشبهونهم في غلظتهم وقسوة قلوبهم ، بين أهل مكة ؟!

ولن يكون من شعرائهم من يحتفي بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما احتفى به حسان بن ثابت بقوله

وأجمل منك لم تر قط عيني ،،، وأكمل منك لم تلد النساءُ

خـلـقـت مبرءًا من كل عيبٍ ،،، كأنك قد خلـقت كما تشـاءُ

وبعد كل تلك السنين من الجفاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصد عنه ومنع الاحتفال بمولده المبارك شاهد ماذا يحصل في مهلكة داعش منبع الوهابية ومطلع قرنها ؟!!

بماذا يحتفلون ؟!

وبأي شيء يبتهجون ؟!

ومن هي الشخصيات التي يستقبلون ؟!

في بلاد الحرمين الشريفين في الديار المشرفة بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمقدسة بقبلة كل المسلمين إلى يوم الدين والمعظمة بذلك التاريخ العظيم والمطيبة بأزكى من ضمته طيبة من المخلوقين ..

 ولن تسمع إزاء الدنس الذي ينشره فيها ابن سلمان وأرجاسه وأوساخه وأقذاره من الشياطين المضلين والملأ المفسدين ومن المنحرفين والساقطين والعابثين لن تسمع تلك الفتاوى ولاذلك السيل من التبديع والتفسيق والتكفير كما أنهم في تدينهم مفسدين نراهم اليوم وهم يخلعون عباءة ذلك التدين المشوه وقد غاصوا في الفجور والعهر إلى أسفل السافلين وما ذلك إلا نتيجة طبيعية لانحرافهم في مبدأ الولاية الإلهية الواضح (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (٥٥)’وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (٥٦) [سورة المائدة]

مقالات ذات صلة