تحت أسنان المناشير .. الانكسار الاستراتيجي للعدوان في مراكزه العليا والوضع الأمريكي السعوديّ

// تقارير //  علي نعمان المقطري

كشفت التصدعاتُ الأخيرة التي ما زالت تتوالى تباعاً داخل المركز العدواني الامبريالي الدولي الأمريكي والإقليمي عن حجم التصدعات والانهيارات التي يعانيها حلفُ العدوان السعوديّ الأمريكي.

الآن بعد الهزائم التي كابدها العدوّ على أبواب الحديدة والساحل الغربي خلال الأعوام الثلاثة الماضية وما عانته الأسلحة الأحدث في العالم التي تمرغت سُمعتها في الأوحال إلى الحد التي أفزعت فيه الشركات الدولية واحتكارات السلاح الغربية التي رأت في تلك الهزائم على الأرض للعدوّ بأسلحة بدائية سوفيتية الصنع طُوّرت على أيدٍ يمنيةٍ تعودُ إلى القرن الماضي بأنها انتصاراتٌ جديدة تحرزها جبهاتُ المقاوَمة العالمية.

إنها الهزائمُ التي ما برحت منها ولن تبرح من آثارها طويلاً، وهي تنعكس بآثارها على أوضاع القُــوَّة في الميدان العالمي والمحلي.

كانت معارك الكيلو 16 بمثابة معارك المصير الكبرى التي تضع حَــدّاً للغطرسة الإمبريالية السعوديّة معاً ومن عنف تلك المعارك وشدتها وصلابة المدافعين عن الحديدة والساحل وأنهم قد أوصلوا أصوات ضرباتهم وأصدائها إلى جوف البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي والمؤسّسات الأمريكية الحاكمة وتحولت إلى نزاعات وصراعات وانشقاقات داخل المؤسّسات الأمريكية نفسها؛ لأَنَّها كشفت حجمَ الفساد والجور والطغيان الذي تعاني منه أمريكا نفسُها التي تدّعي قيَمَ حقوق الإنْسَان والعدالة وحكم القانون واحترام الدستور ومكافحة الإرْهَــاب ونشر قيم الحرية والديمقراطية.

وجاء العدوانُ على اليمن ليفضحَ مدى التلازم الوثيق والعشق الذي يجمع الإدارات الأمريكية والإرْهَــاب ومنظّـماته عبر العالم، مما يهدّد بانتشار جرثومة الديكتاتوريات العائلية الفاسدة التي ترعاها أمريكا في الخارج إلى داخل الأنْظمة الغربية نفسها بعد أن مكّنتها الحربُ على اليمن، وما تدره من أرباح هائلة إلى أيدي القلة المترفة من الالجاركيات المالية وما تعطيه من نفوذ سياسيّ داخل المؤسّسات الأمريكية إلى حَــدّ أنها توظّف وترشي العشراتِ من الموظفين والمشرّعين الأمريكيين وتسيّرهم وِفْـقاً لا هوائها ومصالحها المتعارضة مع المصالح الأمريكية الطبيعية ومع مصالح القانون الإنْسَاني العالمي، ووصلت نفوذُها إلى مستوى القدرة على رشوة الرئيس الأمريكي نفسه وعائلته وأصهاره والمقرّبين منه، مما يعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر ويجعله عرضةً للمتاجرة المالية لمن يدفع.

حيث أضحت الحالةُ السياسيّة الأمريكية ملكاً للاحتكارات النفطية المالية الأجنبية التي تمسك بخيوط الاقتصاد والإدارة الأمريكية من خلال صفقات السلاح الأمريكية وقرارات مواصلة الحرب والعدوان على اليمن وسوريا وإيران وروسيا وكوريا وغيرها من البلاد الأُخْــرَى التي تجد الامبريالية فيها مُـجَـرّد ذرائعَ لاختراق القوانين الأمريكية ووسائل لإبقاء سيل الأموال مفتوحاً إلى جيوب الفاسدين من الساسة والاحتكارات العملاقة التي تعملُ لخدمة الصهيونية العالمية والرأسمالية المتوحشة للسيطرة على الثروات الوطنية للشعوب والمواقع والممرات وإثارة الحروب الإقليمية والدولية، والتدخل في شون الدول والشعوب الأُخْــرَى وسيلة مثلى للسياسة الأمريكية التي ترسم صورة للعدوّ الوهمي في وعي الرأي العام الداخلي لتسهيل السيطرة علية باسم الدفاع عنه أمام أعداء خارجيين لا وجود لهم في الواقع لتخفي طبيعتها الامبريالية المعتدية التوسعية الاستغلالية اللاإنْسَانية.

 

نتائجُ الحرب الوطنية الظافرة وصواريخ الله.. انقلابُ المعادلات الاستراتيجية

أدّت الحربُ الوطنية الظافرة ضد العدوان إلى إصابة البيت السعوديّ الخليجي الحاكم المسيطر القائد الأعلى للحرب العدوانية ضد اليمن في القلب وفي الصميم وفي الهيكل والمحتوى إصابات لا يمكن بعدَها قيامُه على قدميه بعد الآن وتحول تلك الجلاميد البشرية المشوّهة المتوحشة إلى مسوخ بشرية عاجزة عن رفع أقدامها من الأرض، ناهيك عن رفع السلاح ومواصلة الحرب وشل أجهزتها العصبية المركزية التي تدير الحرب والعدوان.

وعادت الهزائم والخسائر المهولة التي بلغت بضعة تريليونات دولارات وأكثرَ لتفجر التناقضات البنيوية داخل البيوت المالكة وعوائلها الطامحة للملك وتقود إلى حومة صراعات شرسة على المقعد الذهبي المغتصَب.

يسقط أُمَــرَاءُ ويقومُ أُمَــرَاءُ، يموت أُمَــرَاءُ ويبقى أُمَــرَاءُ وهكذا في دورات عنف لم تكن تعرفُها هذه المملكة من قبلُ، فقد كانت آلات العنف والقمع موجهةً حصراً إلى قلب البيوت الشعبيّة معارضتها ومنظّـماتها وحقوقها، حين كانت البيوت الورقية ما زالت متماسكة موحدة تجمعها أهدافٌ ومصالحُ مشتركة في الماضي خلال عصر الصعود والتطور، فلأول مرة تتفجر المملكة على هذ النحو الذي لم تعرفه من قبل طوال تأريخها.

ومنذ خمسين عَاماً شهدت استقراراً للسلطة في البيت الحاكم الذي يضعف في الشرعية السنية على الطريقة الوهَّابية التكفيرية التي ألفها البريطانيون في القرن الثامن عشر بجمعهم السيفَ والمذهبَ في مصلحة الغايات الاستعمارية البريطانية الصهيونية الغربية المشتركة في العالم العربي الإسْــلَامي والجزيرة العربية والخليج التي كانت وما زالت مطامعُ الغرب تركز عليها؛ لما فيها من مواقع وثروات وطاقات ومساحات وطرقات ومناخات ومزايا تترج في ثروات وقُــوَّة وهيمنه وسيطرة وأرباح وتحكم بالعالم ومستقبله من خلال التحكم بالطاقة ومنابعها الأولية وممرات التجارة العالمية وقُــوَّة الكتل السكانية وثقلها الحضاري والمدني.

وحين كانت الحضارة الغربية قد استنزفت الثروات الوطنية في بلادها فقد اتجهت لاستعباد الشعوب الأُخْــرَى واستعمارها بشتى الذرائع والحجج والمؤامرات وكانت السعوديّة وفروعُها واحدةً من الأسر اليهودية الصهيونية التي غُرست في المنطقة للسيطرة عليها صهيونياً وغربياً باسم الدين والمذهب والإسْــلَام التكفيري المزيّف.

طوال قرنين ظلت الأُسْـرَة الموردخائية تتقلب في صراعات الحرب الامبريالية البريطانية الوكيلة بالنيابة، وقد ارتدت عباءةً عربية بدوية مزوّرة في نجد بحماية الأسطول الانجليزي والأموال والسلاح والتجنيد البريطانية وهي تحاول إظهار نفسها حامية الحرمين المقدسين تحت إشراف فقهاْء أجلاء أمثال جون فيلبي ولورانس وكوكس ومستر همفر والمكتب البريطاني الهندي والأفريقي لإدارة الاستراتيجيات الاستعمارية البريطانية للسيطرة على المنطقة العربية والإسْــلَامية واحتلالها عسكريًّا وسياسيًّا عبر القواعد العسكريّة والأسر الصهيونية المغروسة الحاكمة ومنظومات المستشارين والخبراء والموجّهين والمناديب الساميين وغيرها من أشكال السيطرة الاستراتيجية الغربية المعقّدة والمتطورة.

بالسيف أخافت الناس وبالذهب أسكتت الأصوات وأماتت الضمائر الحية وبالترف والمجون أضعفت المروءة والرجولة وأذهبت عنها خشونتَها المحاربة والمقاتلة، فأشاعت الفسادَ الخُلُقي والسياسيّ والإداري والمعنوي، واستقدمت الفئات الأجنبية الاستيطانية الكبيرة لتهديد وتغيير التركيبة العربية الأصلية بين السكان وتقوية الأغراب وتسليمهم الوظائف العليا والامتيازات المختلفة، وظلت تتحكمُ بمصائر البلاد العربية واليمن والخليج لعقود من الزمن حين كانت قادرة على فرض أنْظمة الوصاية والتبعية والإلحاق والاحتلال وتقسيم الشعوب وتشظيتها وإضعافها خدمةً للبيوت الصهيونية الغربية وإضعاف حركة المقاومة الفلسطينية والعربية وعقد الصفقات التصفوية بحق القضايا العربية من المبادرة العربية السعوديّة إلى إخراج الفلسطينيين من الأردن إلى قتل عَبدالناصر ومن استعداء إسرائيل ضد العرب خلال حرب نكسة حزيران وتمويل حملاتها الحربية وتحريضها على البلاد العربية بأموال سعوديّة كما جاء في الوثائق التي نشرتها مواقعُ المعلومات العالمية.

 

الصعودُ والانتكاس

وكانت تلك حقبة الصعود إلى أوج الأمجاد التوسعية الامبريالية والتي انتكست بدايةً من سقوط حصن المحمِية الاستعمارية الإقليمية الشاهنشاهية في الخليج والجزيرة منذ انفجار الثورة الشعبيّة الوطنية التحرّرية بإسقاط الشعب لكلب الحراسة وحكمه في أعظم ثورة إسْــلَامية حسينية شعبيّة0 قومية مستقلّة عرفها القرن الأخير.. أعني الثورة الخمينية الإيرانية في 1979م التي أدّت إلى تحطيم الحلقة المركزية الامبريالية الضعيفة في الإقليم المحتلّ فانكشفت السعوديّة وأذيالها حين أضحت بغير حامٍ من الشعوب والثورات.

ويعلن السعوديّون الآن بوقاحة أنهم يواجهون الخطر الفارسي الإيراني على الأمن العربي ويدعون إلى التصالح مع إسرائيل ابنة عمومتهم الأقرب دماً ونسباً وصهرًا وسياسة وأهدافاً ومصالحَ بدلاً عن مواجهتها لتحرير فلسطين ولبنان فإنهم يسعون إلى تعديل اتّجاه دفة المواجهة إلى المواجهة مع إيران ومع جميع الذين يساعدون العرب على تحرير أرضهم واسترداد كرامتهم وحريتهم.

ويروّج العملاءُ المتياسرون قولاً لا فعلاً وَالقوميون المزوّرون والإسْــلَاميون الكذبة أن الخطر الرّاهن على العرب هو من إيران وليس من إسرائيل الحمل الوديع الضعيف المستهدفة من الإرْهَــابيين المتطرفين أنصار الخميني.

ويقول أحدُ الخدم الفكري بعد فترة من التظاهر والتزييف أن إيران تحتل أراضيَ عربية أكثرَ مما تحتلُّه إسرائيل وأنها تطمعُ بأكثرَ من مطامع إسرائيل المتواضعة التي تطمح للسلام وتكره الحربَ، وهم يخفون بهذا واقع أنهم باتوا مفضوحين أمام شعوبهم التي وعت الحقيقةَ بالتجربة أسرعَ منهم من طول التجربة والمعاناة والعذاب، بأن إيران بثورتها تشكّلُ خطراً داهماً عليهم.. نعم هذا صحيحٌ تَمَاماً وليس على الشعوب العربية التي هم يحتلونها ويستعبدونها وأُسرهم وصهاينتهم وأسيادهم الإنجلو أمريكيون طوال قرنين من الخراب، نعم إن من حقهم أن يرتعبوا ويخشوا ويدفعوا الملايين من الدولارات لجوقات الغجر الجديدة وسوائمها المستعدين لتيسير الصهيونية وتثوير الرجعية ذاتها بالكلمات المدفوعة القيمة والأجر العالي وتصوير بن سلمان ومنشاره كنماذج للتقدم والتحرّر العربي.

إن مناشيرَ بن سلمان سوف تعودُ إلى ألسنتهم لتقطعها والسيوف الغدارة التي أرسلوها إلى القلب العربي سوف تعودُ إلى نحورهم حتماً؛ ولهذا فإن للثورات العربية التحرّرية مصالحَ مشتركة مع الثورة في إيران ولها مصالح في التحالف بين الثورتين ضد المصالح والأهداف الاستعمارية الصهيونية وقواعدهما ونفوذهما التي تخدمها السعوديّة وشركاؤها في المنطقة بالقيام بدورها ككلاب حراسة قميئين حقيرين لا حياءَ لهم.

ويحاول أمثال ياسين سعود من اليسار الصهيوني أن يجمّلَ التاجَ السعوديّ الإماراتي الصهيونيين القبيحين مكشوفي العورات بعبارات تخدع القوى اليسارية الساذجة الهائمة بالعبارات اليسارية المفخمة لخداع العقول وَحشو أفكارها وعقولها بأفكار استعمارية خبيثة تدعو إلى المسالمة مع العدوّ ورفع شعارات السلام مع الرجعية والكفّ عن المقاومة للاستعمار والاحتلال والعدوان وتصوير إيران وَسوريا وحزب الله والبلاد العربية المقاوِمة للمشروع الامبريالي الصهيوني بأنها العدوّ الأول للأمن العربي القومي وليست إسرائيل المسكينة المستضعَفة من صواريخ حماس وحزب لله والأسد وبوتين وَأنصار الله، هذا هو الغثاء الياسينوي الخبيث الذي ظل يروّج وينشر لعقود داخل اليسار الوطني ويحاط من المتملقين الموظفين بالقداسة والتبجيل والنشر فيما يدحرُ المفكرين الوطنيين اليساريين الشرفاء والمناضلين ويُحرمون ويطردون من بلاط السياسة وبهرجها الأخّاذ الأنيس.

ولذلك كان اليسار على هذا النحو المؤلم المأساوي البائس الذي يعجزُ عن التفريق بين الرجعية والوطنية، وبين العدوان والحرب الوطنية التحرّرية العادلة وبين النضال والاحتلال والتقسيم والانفصال.

إنها خلطة التجهيل والخداع والتلاعب بالذاكرة الوطنية وتزييف أحداثها جعلتها أموال اللجنة الخَاصَّـة للسعوديّة ودبي ومناوراتهما ومزاياهما المادية المرحة الغرائزية خلطةً فعالهً جداً وتتطلبُ وقتاً من المعاناة والسيوف الغدارة لا بـُـدَّ أن تعودَ إلى النحور.

مقالات ذات صلة