#الصومال تنتزع أراضيها من التدخلات الإماراتية

عمران نت / 16 إبريل 2018م

أحمد عابدين/ العهد الاخباري

في العاشر من شهر آذار/ مارس الماضي، حذر الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، مما وصفه بالتدخل الأجنبي ضد وحدة وسيادة بلاده، قائلاً بأنه “على الرغم من الظروف الصعبة لاقتصاد البلاد وحالات الأمن إلا أن الشعب الصومالي ودولته لا يقبلان التدخل الأجنبي السافر ليعبث في ثروات البلاد، ولا يقبل كذلك الاعتداء على شبر واحد من أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية”، ليقوم البرلمان بعد ذلك بيومين بالتصويت بالأغلبية لصالح قرار يمنع شركة موانئ دبي العالمية من إدارة واستغلال الموانئ في الأراضي الصومالية، متهماً الشركة بلعب دور مشبوه في الصومال واتهمها بالاعتداء بشكل صارخ على السيادة والوحدة الصومالية، ليُلغي ذلك التصويت جميع الاتفاقيات مع شركة موانئ دبي العالمية.

كثير من المؤشرات تذهب إلى الانتخابات الصومالية السابقة كبداية للخلاف مع الامارات، حيث تُشير تقارير صحفية إلى أن الامارات كانت تدعم بقوة عدد من المقربين منها على رأسهم الرئيس الأسبق “حسن شيخ محمود” الذي سهل سيطرة أبو ظبي على الموانئ الصومالية، وبعد فوز فارماجو على غير رغبة الإماراتيين، كانت محطته الخارجية الأولى إلى الرياض والتي طلب فيها من مسؤولين سعوديين، وفق صحيفة الرياض بوست السعودية نقلاً عن مصدر دبلوماسي، الضغط على أبو ظبي لوقف التدخل في شؤون بلاده وخاصة مشروع بناء قاعدة عسكرية في بلاده، إلا ان ذلك لم يُثن نظام بن زايد، خاصة بعد الدور المحايد للصومال في الأزمة الخليجية ورفضها الضغوط لقطع العلاقات مع قطر.

بعد شهور من تلك الزيارة، أعلن النائب العام الصومالي، أحمد علي طاهر، اتهام اثنين من أعضاء البرلمان وهما: حسن معلم محمود، وعبد صابر نور شوريه، النائبان عن ولاية جلمدغ، بتلقي مبالغ ضخمة من المال الإماراتيّ، بهدف هدم كيان الدولة وتدمير حكومة الصومال وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسيّ، مُشيراً في مؤتمر صحفي عقده 17 كانو الاول/ ديسمبر الماضي، إنه طلب من رئيس البرلمان الاتحادي رفع الحصانة عن النائبين لمحاكمتهما بتهمة الخيانة وارتكاب جرائم تمسّ هيبة وكيان الدولة الصومالية، وذلك تزامناً مع مفاوضات بين حكومة أبو ظبي وإقليم أرض الصومال ـ غير المعترف دولياً باستقلاله ـ ببناء قاعدة عسكرية في ميناء بربرة بالإقليم، وذلك دون مشاركة الحكومة الصومالية في الاتفاق الذي وُصف بغير القانوني، حيث يتم بتجاهل تام لحكومة ودولة قائمة لحساب طرف انفصالي غير معترف به دولياً.

وقبيل قرار البرلمان الصومالي السابق، تحديداً في الأول من آذار/ مارس الماضي، وقع رئيس مجلس إدارة «شركة موانئ دبي»، سلطان أحمد بن سليم، اتفاقية مع وزير النقل والمواصلات الإثيوبي، أحمد شدي، تمنح بموجبها إثيوبيا حصة بمقدار 19% من ميناء بربرة في «أرض الصومال»، لتصبح بذلك حصة الإمارات من الميناء 51%، وحصة «أرض الصومال»، التي حضر وزير خارجيتها، سعد الشير، توقيع الاتفاقية، 30%، حيث كانت «موانئ دبي» تستحوذ على 65% بموجب عقد وقعته مع «أرض الصومال» عام 2016 لإدارة الميناء وتشغيله لمدة 30 عاماً، وفي فبراير من العام 2017، وقع الطرفان اتفاقية جديدة تمنح الإمارات صلاحية إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بربرة واستخدامها لمدة 25 عاماً، إلى جانب الحق في استخدام مطار المدينة، لتُعلن وزارة النقل الصومالية بعد تلك الاتفاقية بيوم واحد، في 2 آذار/ مارس، أنها تعتبرها لاغية، واصفة إياها بأنها «تشكل تهديداً لوحدة الأراضي الصومالية»، مُشيرة إلى أنها لم تشارك في إبرام هذه الاتفاقية، ولم تفوّض أحداً بتمثيلها.

رشوة سياسية

وفي تقرير لها، كشفت مجلة (defense one) الأمريكية المختصة بالشؤون الأمنية والدفاعية، عن أن السلطات الإماراتية دفعت رشوات لسياسيين ووجهاء في أرض الصومال لتمرير هذه الصفقة، لتكون قاعدة دعم في منطقة القرن الإفريقي المرشحة لأن تكون ساحة مواجهات في المدى المنظور، بجانب أنها ستكون منصة جديدة لمواجهة الحوثيين في اليمن، بجانب ما نقتله عن أبو بكر عرمان، الدبلوماسي الأمريكي سابق من أصل صومالي، عن أهداف جيوـ سياسية وجيوـ اقتصادية تدفع الإمارات للتمسك بهذه القاعدة بشكل خاص وبالوجود بالصومال بشكل عام، وهو طموح الإمارات الذي يأتي لمواجهة حضور تركيا المتنامي في المنطقة، والذي تنظر إليه على أنه تهديد استراتيجي.

تبع ذلك طلب صومالي للأمم المتحدة بوقف انتهاك الامارات لسيادتها، حيث قال مندوب الصومال في الأمم المتحدة في 27 آذار/ مارس الماضي، أمام مجلس الأمن إن إجراءات الإمارات في “أرض الصومال” انتهاك صارخ للقانون الدولي، في إشارة إلى بناء القاعدة العسكرية، وتدريب الجنود هناك، مؤكداً على أن بلاده “ستتخذ كل ما يلزم للدفاع عن سيادة البلاد”، داعيا المنظمة الأممية إلى “وقف الانتهاكات، وضمان وقف العمل ببناء القاعدة العسكرية هناك والتي تتم دون موافقة الحكومة الفدرالية، وذلك تزامناً مع استدعاء وزارة الخارجية الصومالية للسفير الإماراتي في مقديشو، والتي أبلغته بأنها لن تقبل أي مساس بسيادتها الوطنية ولن توافق على أي اتفاقات أبرمت دون إرادتها.

وفي تصاعد للأحداث، اندلعت أزمة بين حكومتي مقديشو وأبو ظبي بعد أن صادرت قوات الأمن الصومالية مبلغ 10 ملايين دولار كانت قد وصلت على متن طائرة إماراتية خاصة، يوم 8 نيسان/ أبريل الجاري، قالت السفارة الإماراتية أنها تابعة لها ولا يمكن مصادرتها، وأنها مخصصة لدفع رواتب وحدات من الجيش الصومالي في مقديشو، وإقليم بونتلاند، وأظهرت صور نشرها إعلاميون صوماليون، السفير الإماراتي محمد أحمد الحمادي، خلال انتظاره في صالة يعتقد أنها داخل مركز أمني، وتم تداول شائعات بشأن تلك الأموال على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن المبلغ المضبوط يمثل أضعاف أضعاف ما تخصصه الامارات لرواتب أي سفارة تابعة لها حول العالم، حيث اعتبر مغردون أن تلك الأموال “تم تخصيصها لتخريب الصومال ونشر الفوضى مثلما حدث في مصر واليمن وغيرها”، وفق تدويناتهم، بينما اعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي، أنور قرقاش، أن ذلك افتعالا للاحتقان لا داعي له، عقب بيان أعربت فيه دولته عن استهجانها واستنكارها قيام السلطات الصومالية باحتجاز الطائرة المسجلة لديها وعلى متنها 47 شخصاً من القوات الإماراتية والاستيلاء على المبالغ المالية التي قالت أنها مخصصة لدعم الجيش الصومالي والمتدربين، وتطاول بعض عناصر الأمن الصومالي على بعض أفراد القوات الإماراتية.

ما حقيقة تلك الأموال؟

ربما يُجيب عن هذا السؤال نقطتين رئيسيتين أولهما الاتهام السابق لنواب البرلمان الصومالي بتلقي أموال من الامارات، وثانيهما وأهمهما تقريراً أعده فريق الرصد التابع للأمم المتحدة حول العقوبات المفروضة على الصومال، والذي أشار إلى أن الإمارات تراجعت عن تنفيذ الحظر المفروض على تصدير الفحم؛ والذي يشكل المصدر الرئيس لتمويل حركة الشباب “الإرهابية”، والتي تُعد المصدر الأكبر والأخطر للاستقرار والأمن في البلاد والمسؤولة عن مئات العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها الألاف من أبنائها، حيث كشف التقرير الصادر في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 عن أن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنويا من تجارة الفحم غير المشروعة، ولا زالت مدينة “دبي” وجهة التصدير الرئيسية، إضافة إلى كونها مركزا للشبكات الإجرامية التي تنتهك الحظر المفروض على تصدير الفحم في إفلات شبه كامل من العقاب، مُشيرة إلى إن هناك دولا سعت بشكل حثيث للتأثير على الانتخابات الرئاسية في الصومال، وكان دور أبو ظبي الأكثر علنية، حيث استدعت قادة الإدارات الإقليمية لاجتماعات، وقدمت لهم المال، وذلك بغية إقناع أعضاء في البرلمان للتصويت لصالح مرشحين بعينهم.

لم تمر إلا أيام قليلة بعد تلك الواقعة حتى أعلن وزير الدفاع الصومالي، محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، في 11 من شهر نيسان/ ابريل الجاري، عن انهاء برنامج الامارات لتدريب الجنود في الجيش الصومالي، وأن حكومة بلاده هي من ستتولى دفع أجور وتدريب الجنود المسجلين بالبرنامج، لتصل الأزمة إلى الشوارع الصومالية بعد أن اندلعت مظاهرات بعدد من المدن ضد ما وصفه المتظاهرون بأنه تدخل للإمارات في شؤون بلادهم.

مقالات ذات صلة