#السعودية: من الوهابية إلى السلمانية .. عودٌ على بدء

عمران نت/ 7 نوفمبر 2017م

علي إبراهيم مطر/ العهد الاخباري

على جثث القتلى ورائحة الدماء قامت مملكة الرمال السعودية، وعلى تكفير الآخر واتهامه بالشرك والتسلط عليه استمرت، وعبر شطب كل المختلفين، وإخضاع كل المتذبذبين بشتى الوسائل. معادلة ثنائية بين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، أسست دولة على ترهيب أبناء الجزيرة العربية، واستمرت على ما هي عليه، لتكتمل الحكاية مع مجدد الترهيب محمد بن سلمان الذي يبني حكمه على ما يبدو في دولة رابعة تقوم على رائحة الدماء التي قامت عليها الدولة الأولى. هكذا يعيد ابن سلمان تاريخ اجداده منذ أواسط القرن الخامس عشر الميلادي الذي يملؤه غزو الجيران وقتل المخالفين ونهب وسرقة أموالهم وسبي نسائهم، بفتاوى سلطانية من محمد بن عبد الوهاب، التي تحييها السعودية ومن لف لفها من جماعات الإرهاب والتكفير ليس آخرها تنيظم “داعش”.

أولاً: تاريخ الدولة السعودية

قامت الدولة السعودية الأولى في الفترة (1744 – 1818م)، بتحالف بين أمير الدرعية محمد بن سعود آل مقرن وبين محمد بن عبد الوهاب. وقد بدأ محمد بن سعود بدعوة القبائل البدوية القريبة واستطاع من خلال الغارات المتواصلة إخضاع عدد من تلك القبائل. وتوفي محمد بن سعود بعد عام واحد وتولى ابنه عبد العزيز قيادة الجيش، وقد استطاع ضم الرياض بعد سبعة وعشرين عامًا من الاقتتال، وأخضع الأحساء والبريمي إلى دولته، ووصل إلى كربلاء، كما استولى على ولايات الساحل المتصالح، وقد خاض عدة معارك مع شريف مكة الذي اضطر إلى عقد معاهدة سلام مع بن سعود عام 1798م / 1213 هـ بعد هزيمته، إلا أن ابن سعود نقض العهد عام 1801م / 1216 هـ وسيطر على الطائف ومكة وجدة إلى أن تم اغتياله عام 1803م / 1218 هـ، واستمرت الدولة السعودية الأولى في التوسع حتى سقوطها عام 1818 على يد الجيش العثماني بقيادة إبراهيم باشا.

الدولة السعودية الثانية هي الدولة التي أنشأها تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود في سنة 1818م. خلال سنوات هذه الدولة تحولت العاصمة من الدرعية إلى الرياض وتوسعت بشكل محدود على عكس سابقتها، كما أن الصراع والحروب الداخلية أضرت بها، حيث تسبب اختلاف أبناء فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود في إضعاف الدولة والتسبب بسقوطها على يد آل رشيد حكام إمارة جبل شمر في سنة 1891. وما يحصل اليوم من خلافات بين أمراء السعودية ومحمد بن سلمان حصل مثيله عبر تاريخ السعودية، وهي صراعات دائماً ما هددت بانهيار الحكم.

أما الدولة السعودية الثالثة وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، فقد تأسست في (5 شوال 1319هـ – 15 يناير 1902)، على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود والذي تمكن من الاستيلاء على مدينة الرياض ليؤسس المملكة العربية السعودية (الدولة السعودية الثالثة). عرفت الدولة السعودية الثالثة بداية عهدها باسم “إمارة الرياض” وتمكنت الامارة من التوسع حتى استطاعت عام 1921  السيطرة على كامل أراضي نجد بعد اسقاط إمارة حائل المنافسة، واصبحت إمارة الرياض تعرف باسم سلطنة نجد واستمر الاسم قائما حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.

هكذا إذاً، يشير تاريخ السعودية منذ الدولة الأولى إلى المملكة، أن كل دولة تقوم على قتل السعوديين لجيرانهم من أجل التوسع وبناء دولتهم والتوسع في هذه الأراضي بطريقة الغزو، ومن ثم في الخلافات بين الأمراء، فكل أمير يأتي ليحكم يدخل في خلافات مع بقية الأمراء ويقوم بإجراءات عدة من أجل تثبيت حكمه ولو على حساب الآخرين، مستخدماً فتاوى تفصّل على مقياس الحكم، وهي ما تعرف بالأحكام السلطانية.

ثانياً: غطاء وهابي

في كل هذه الحركة يمكن البحث عن الغطاء الوهابي لما يقوم به الأمير فضلاً عن عقيدته السلطوية، فبعد أن بدأ ابن سعود بتسلطه واعطائه محمد بن عبد الوهاب الحرية في نشر دعوته بالقوة، جمع الأخير أتباعه، وحثهم على الجهاد، وكتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته، وتدخل في طاعته، وكان يأخذ ممن يطيعه عُشر المواشي والنقود والعروض، ومن خالفه، غزاه بانصاره، وقتل الأنفس، ونهب الأموال، وسبى الذراري، وكان شعاره: ادخل في الوهابية أو القتل لك، والترمل لنسائك، واليتم لأطفالك.  (محمد  جواد مغنية، هذه هي الوهابية، ص 114).

لقد دخل الوهابيون الطائف عنوة في ذي القعدة سنة 1217 وقتلوا الناس قتلا عاما حتى الأطفال وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أمه وكان جماعة من أهل الطائف خرجوا قبل ذلك هاربين فأدركتهم الخيل وقتلت أكثرهم وفتشوا على من توارى في البيوت وقتلوه وقتلوا من في المساجد وهم في الصلاة (كشف الارتياب، ص 15). وهنا نسأل ألم يفعل محمد بن سلمان ما فعله أجداده باليمن وحتى في سوريا والعراق ويريد أن يفعل ذلك في لبنان؟

محمد بن سلمان، يكفّر كل من يخالفه اليوم سواء دينياً أو سلطوياً من خلال تهديد حكمه وملكه وملك أبيه، ويتعاطى مع السعوديين وغيرهم كما تعاطى محمد بن سعود وابن عبد الوهاب مع القبائل المجاورة، بعد أن تسلطوا على الأعراب وأهل البوادي حتى تبعوهم وصاروا جندًا لهم بلا عوض وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبد الوهاب فهو كافر مشرك مهدر الدم والمال، (الشيخ أحمد زيني دحلان، فتنة الوهابية، ص 2).

ثمة حلقة وصل وتسلسل، بدأت من مؤسس المدرسة نفسها، أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وانتقلت عبر سلالته وأتباعه وأهل دعوته، وهي مستمرة حتى اليوم ولو لم تكن بالعمل العلني إلا أنها بالتطبيق.

ففي نفس الغطاء الديني الوهابي يعمل مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الذي شرّع محاصرة قطر، والذي بارك القرارات التي اتخذتها المملكة ضد قطر إثر اتهاما بدعم الإرهاب “فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم”، ودعا “الإخوان المسلمين” إلى الابتعاد عن “العصبية والغلو” واتباع “كتاب الله والسنة، ومن جاء بذلك فهو على حق، ومن دعا إلى باطل فهو باطل، ويجب البعد من الأقوال والمعتقدات.””ّ!

وال شيخ كان قد وصف الدعوات إلى حراك الخامس عشر من سبتمبر الجاري بأنها دعوات كاذبة دجالة، تقوم بها فئات حاقدة، تدعو إلى الفتنة والشر والفساد. وال شيخ كان قد بايع محمد بن سلمان، على السمع والطاعة. هكذا إذاً، هناك رابطة وعقد بين ال سعود وال الشيخ لحكم الجزيرة العربية.

ثالثاً: جنون الملك

لقد مر عبر التاريخ ملوك وحكام ضربهم جنون العظمة، وهو ما يمر به محمد بن سلمان اليوم الذي يمهد للوصول إلى ملك السعودية بدل أبيه، ويقوم منذ 3 سنوات بإجراءات أرهقت كاهل السعوديين، وأدخلت إلى نفوسهم الرعب بشكل لم يعرفوه في العهد السابق وكأنهم يعيشون لدى “داعش”، فيبدو ابن سلمان على نفس السنخية فلا فرق بينه وبين فكر أبي بكر البغدادي، الاثنان وجهان لعملة واحدة.

عاصفة الجنون السلمانية لا تقتصر مفاعيلها على الداخل السعودي فقط، إنما ترجع هذه المفاعيل بعواقبها الوخيمة على المنطقة بأكملها، فالمنطقة على شفير هاوية قد تأخذها إليها السعودية، وتضرب شرارة النيران كل الدول، واليوم ما تحضره السعودية للمنطقة برمتها وللبنان ضمنها على درجة عالية من الخطورة ويجب التنبه من هذا المخطط الخبيث الذي يريد فرضه محمد بن سلمان ليغطي على فشله في اليمن وسوريا والعراق وفشله في الإدارة الداخلية.

ويبدو أن ابن سلمان متأثر جداً بكتاب أبو بكر ناجي أدارة التوحش، وبدأ يسعى لتطبيقه بحذافيره ضد جيرانه من الدول العربية والإسلامية.

وهو في اليمن، يطبق نفس إستراتجية “داعش” التي تشدد على اعتماد الشدة، من قتل وتنكيل والذبح بعناصر العدو المفترض لديهم والكثير من أنواع التعذيب المختلف من كالذبح كما فعل التنظيم من خلال الكثير من الجرائم أو أكل الأكباد أو الحرق كما فعل مع الطيار الاردني معاذ الكساسبة أو قتل شخص بصاروخ وتفجير وغيرها من الأساليب الفظيعة، وهذه الاستراتيجية التي تعتمد الشدة، ترى أنه “لا يمكن أن يستمر القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلا إذا كانت مرحلة البداية فيها مرحلة إثخان في العدو وتشريد به ، بل يحتاج لهذه الشدة في المراحل الأخرى في كثير من الأحيان، حيث يقول أبو بكر ناجي إن “دور الشدة والغلظة على الكافرين في المعارك القتالية والإعلامية لا يفهمه الكثيرون ممن لم يخوضوا حروباً في حياتهم”، وهذه الغايات لا تتحقق إلا “ببأس وسلطان”، وأن قوام الدين هو “كتاب يهدي وسيف ينصر”.(أبو بكر ناجي، إدارة التوحش، ص 31 .

والولايات المتحدة الأميركية التي صنعت داعش وكبرتها ووقفت خلف تمويلها وتسليحها مع إدارة اوباما، هي التي تدعم السعودية في كل تصرفاتها الاستعلائية من خلال إدارة دونالد ترامب الذي أيد بشكل علني ما يقوم به الملك السعودي وولي عهده.

مقالات ذات صلة