{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

عمران نت/ 26 اكتوبر 2017م

من هدي  القرآن
تعود الآيات إلى ساحة الصراع من جديد، بعد أن ذكَّرت بعظم المسئولية، إذا كان هناك من يندفع من منطلق استشعاره بعظم المسئولية؛ ليقول، وهذه هي الهداية على أرقى مستواها، وتصوير الواقع على أوضح ما يكون، وبما يكشف أن الله يهدي، يهدي الناس هنا إلى كيف يكونون مواجهين في ميدان المواجهة مع أهل الكتاب، اليهود والنصارى، يقول بعد أن أرشدنا إلى التوحد، أرشدنا إلى التقوى، نهانا عن التفرق، وخطورة التفرق في الدنيا وفي الآخرة، ثم أكد لنا بأن هذه الآيات هي حق، ثم قال: هو معنا، وله ما في السموات وما في الأرض، سيهيئ الأمور لنا، يقول أيضًا عن أولئك الذين ندعوكم الآن لمواجهتهم، كأنه يقول لنا هكذا: الذين نحدثكم في هذه الآيات، ونؤهلكم لمواجهتهم، ولقتالهم هم أيضًا ضعاف.
أليس هذا عامل آخر يبعث على الانطلاق؟ يقول: أنتم متى كنتم بهذا المستوى: متوحدين معتصمين بحبل الله جميعًا، وكنتم على هذه الثقة العالية بالله، أن له ما في السموات وما في الأرض، وأنه لن يغلق الأجواء أمامكم، ولن يدعها مغلقة أمامكم.
وبعد أن ذكر بخطورة أولئك علينا في حياتنا، وفي ديننا، في آخرتنا، يقول عنهم: هم أيضًا متى كنتم بهذا المستوى فسيصبح واقعهم هكذا: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} (آل عمران: من الآية111) طقطقة هناك، طقطقة لا قيمة لها، {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران: من الآية111) ما بقي بعد هذا؟ ومن الذي يقول هذا؟ هو الله، الذي يعلم الغيب في السموات وفي الأرض، ويعلم السر في السموات وفي الأرض، يعلم اليهود الذين ضرب عليهم الذلة والمسكنة، كيف سيكونون في ميدان القتال.
ولهذا الأشخاص الذين يثقون بالله يتكلمون بملء أفواههم بكل تحدي لإسرائيل عند رأسها، حسن نصر الله، وأمثاله، بكل صراحة، وبكل قوة، من منطلق ثقته بصدق القرآن، أن هؤلاء أجبن من أن يقفوا في ميدان القتال صامدين، وجربوهم فعلًا، جربوهم في جنوب لبنان، كيف كانوا جبناء، يهربون، جندي واحد يرد قافلة، ورتل من الدبابات، الشاحنات العسكرية، أرعبوهم حتى أصبح اليهود متى ما خرج اليهودي من جنوب لبنان إلى داخل فلسطين يبكي من الفرح، ويقبِّل أسرته، خرج من بين غمار الموت.
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} يصبح إعلامهم، تصبح كل أعمالهم، كلها تتبخر عندما تكونون على هذا النحو، عندما تكونون على هذا المستوى من الوعي، والثقة بالله، والاعتصام بحبل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في داخلكم حتى تكشفوا لكل أسرة ما يدبره ضدها الآخرون، تصبح كل وسائل إعلامهم تخسر، تخسر، قنوات فضائية تتبخر، وترسل ذبذبات إلى فوق ولا تنزل إلى الأرض، مؤامراتهم في مجال الاقتصاد كلها تتبخر، تصبح أذية، إزعاج، مثلما يأتي ذباب [يحدث طنينًا] عند أذنك.
{وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ} أليس هو يؤكد لنا أن كل شيء من جانبهم يتبخر، وسيفشل؟ كل مؤامراتهم تصبح مجرد أذى، لا فاعلية لها، وإن نزلوا إلى ميدان المواجهة المسلحة {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} يفرون من أمامكم {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} لا يجدون من ينصرهم، فعلًا لا يجدون من ينصرهم، لا الله، ولا حتى تلك الشعوب الأخرى، شعوب الغرب، ستتخلى عن اليهود، إذا ما وجدونا نحن، من مصالحهم داخل أراضينا، هكذا قال أحد المسئولين، أعتقد مسئول فرنسي، أو بريطاني، عندما قالوا لهم لماذا لا تقفون مع العرب؟ قال: [لستم بمستوى أن نقف معكم، ولا بمستوى أن نتخلى عن إسرائيل؛ لأن إسرائيل هي المهيمنة].
قال: {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} عبارة: ينصرون فعل ما يسمى مبني للمجهول، أي فاعله مجهول، أي: لا يحصل لهم نصر من أي طرف آخر، لا من قبل الله، ولا من قبل أحد من البشر، {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} تلك الشعوب نفسها سترى بأنها أن تقف مع إسرائيل، وهي ترى موقف السخط داخل هذه الأمة، وترى الجهة القوية التي تضرب إسرائيل، ستحافظ على مصالحها. هل هم وقفوا مع شاه إيران، وكان هو عميل، وكانت إيران تهمهم كثيرًا، مصالحهم من إيران أكثر من مصالحهم من إسرائيل.

{ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} لا يكون هناك من يقف معهم وينصرهم، أليس هذا مما يشجع على مواجهتهم حتى المواجهة المسلحة، قل للناس الذين يقولون: كيف يمكن؟ من يستطيع لإسرائيل وأمريكا؟ من يستطيع في إسرائي

ل، من يستطيع يواجه إسرائيل؟ في الأخير يصبح لدينا شعور بعيدًا عما قاله الله سبحانه وتعالى: أن هؤلاء الذين هم خصوم ألداء، وخصوم خطيرين جدًا، جدًا، هم ليسوا خطيرين في ميدان المواجهة المسلحة.
{وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} أليست هذه الآية من آيات الله حقيقة، وجربوها في جنوب لبنان، {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ} منهم أصحاب الضمير في قوله: يقاتلوكم؟ أنتم يا هؤلاء، وليس هذه المجاميع؛ لأنهم قد قاتلوا المصريين، وقاتلوا سوريين وهزموهم، أليس كذلك؟ لأنهم لم يكونوا من هذه النوعية، ممن يعتصمون بحبل الله جميعًا، وينطلقون بثقتهم بالله، وينطلقون وفق ما هداهم الله في هذا القرآن الكريم، القرآن الكريم هدى حتى إلى القيادة التي يجب أن تكون هي القيادة للأمة كيف يجب أن تكون، ومن أين تكون، فعندما تتوفر للأمة هذه المقومات وإن كان شعبًا واحدًا، أو جنوب شعب، كما هو في جنوب لبنان، سيولونهم الأدبار، وسينهزمون من أمام وجوههم.
لكن لما تجمعت سوريا ومصر والأردن، وعدة بلدان، وهزمتها إسرائيل، ألم يهزمهم اليهود؟ أم نقول: أن القرآن الكريم ليس حقائق؟ لا، هو حقائق لا تتخلف إطلاقًا، لو تجمع العرب على هذا النحو، وكل بلد يعطي جيشًا وهم على هذا النحو، لن ينتصروا أبدًا أمام إسرائيل، وستهزمهم إسرائيل.
ابدأوا كونوا بهذا المستوى وسترون، ترون ماذا؟ أن أولئك اليهود {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} أصبح الناس في جنوب لبنان لا يخافون إسرائيل، يتجرؤون على إسرائيل، يتحدونها، عروض عسكرية تحت مرأى أقمارها، مرأى ومسمع وسائل إعلامها، يتحدونها بكل جرأة، وبكل قوة، وهم حزب واحد فقط، في جنوب لبنان، بينما هزمت أمامها جيوش عربية متعددة؛ لأنهم كانوا غثاء كغثاء السيل، ليسوا بمستوى أن يحظوا بأقل نسبة من نصر الله.
يتحدث عن كيف سيكونون في ميدان المواجهة {يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}؛ لأنهم – ويعتبر عامل آخر يشجع المؤمنين على أن يهيئوا أنفسهم لمواجهتهم – لأنهم هكذا، هكذا، هؤلاء اليهود، هؤلاء أهل الكتاب {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} (آل عمران: من الآية112) ذلة في أعماق نفوسهم، لكن معها خبث، وتخطيط، ومكر رهيب، سيحطم ويجعل تلك الشجاعة في هؤلاء العرب، وذلك الإباء في هؤلاء العرب يتبخر إذا لم يهتد العرب بهدي الله في مواجهتهم.
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} أينما وجدوا، أينما أخذوا {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} ولن تأتي الحبال، ويأتي حبل لهم من الله إلا بسبب تفريطنا نحن، متى ما فرطنا سيتخلى، بل ربما سيسلطهم هم علينا. وتلاحظوا كيف تدل علامات التسليط، عندما اجتمع زعماء المسلمين في [الدوحة] كنا لا نزال نرى عندما يعرض التلفزيون لقطات من اجتماعات مجلس الوزراء في إسرائيل، ليس هناك أي شيء يخيف اليهود، ولا يخيف رئيس الوزراء، عملية الضرب لا تزال مستمرة، الأجواء طبيعية داخل إسرائيل، لم يقال بأن إسرائيل أعلنت حالة الطوارئ، أو أنهم أعلنوا في جيشهم حالة الطوارئ، وحالة الاستنفار، طبيعي.
هم يحملون نفوسًا قوية؛ لأنهم يعرفون أن هؤلاء أصبحوا لا شيء، لم يعودوا يخافونهم، خمسين دولة يجتمع زعماؤها ولا يحرك في [شارون] شعرة واحدة، ولا يبالي! لماذا؟ لأنه لا يشعر برعب، مظاهر الرعب هي من مظاهر من ضربت عليهم الذلة في مواجهة الطرف الآخر، ألم يرعب الناس جميعًا حتى أصبحوا يقولون: [بطِّل، سيقولون أنت إرهابي، هؤلاء إرهابيين، و. و.].
كلهم أصبحوا يخافون، كلهم زعماء، وكلهم أصبحوا خائفين، قد هم يسمعون أن أمريكا تحرك طائرات، تحرك قطع بحرية، زحمة، زحمة ضجة.. لو أن الأمة كانت بهذا المستوى لكانت تلك الضجة عبارة عن ضجة، طنين لا أثر لها، بل ربما لما استطاعت أمريكا أن تحرك قطعة واحدة داخل البحار. أمريكا التي تخلت عن الشاة تتخلى عن إسرائيل، تتخلى عن عملائها، تتخلى عن أصدقائها، ملك إيران الذي كان عميلًا حميمًا، أعطاهم امتيازات هائلة داخل إيران، البترول يستنزفونه، جعل إيران مأكلة لأمريكا.
عندما انتفض، وعندما انطلق الشعب الإيراني المجاهد، وطرد هذا العميل لم تسعه الدنيا، الأمريكيون ما عاد قبلوه حتى أن يذهب إلى عندهم، إلى أمريكا، وأمريكا واسعة، ما عاد قبلوه يلجأ إليهم، ولا قبلته بريطانيا، ولا قبلته دول الغرب بكلها يقولون: [نقبل هذا نخسر مصالحنا داخل شعب، نحن نريد أن تبقى علاقاتنا الاقتصادية] وأشياء من هذه، هم كل حسهم اقتصادي، تجاري، يتخلون عنك بسهولة، مثلما أنت قد تبيع شرفك، وعروبتك، ودينك، ووطنك بمبلغ معهم، فتصبح عميلًا، هم سيبيعونك بكل بساطة.

الآن أليسوا هم في حالة بيع للأمراء؟ مهيئين يبيعونهم فعلًا، انتهى لم يعد له أي قيمة، فالحبل – إن كان هناك حبل – هو تسليط لهم من قبل الله بعدما فرطنا، وبعدما أصبح واقعنا سيئًا، يجعلنا عاجزين عن مواجهتهم، فنصبح جديرين بأن يسلطوا علينا، وهذا

ما هو واقع.
وحبل من الناس من عندنا: بترولنا، وأموالنا، وألسنتنا، ووسائل إعلامنا، ومواقفنا، وحبل من الغرب، حبل من شرقي، وحبل من غربي، أمريكا، ودول أوروبا كلها تقف معهم؛ لأنهم أصبحوا يرون بأن في الحفاظ على إسرائيل حفاظًا على مصالحهم، لأن من يحرك تلك الشعوب؟ هم اليهود، من يحرك أمريكا هم اليهود.
ألم يقل ذلك الكاتب: أن الأمريكيين هم أغبياء أساسًا؟ رعاة أبقار كان يسمونهم، بدو عاديين، ليسوا هم إلى مستوى أن [يهيمنوا هذه الهيمنة لوحدهم]، هم اليهود من يحركون بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا، ودول أوربا كلها هم اليهود، أشخاص قليلين، تحكموا في الدول الكبرى في هذا العالم، لكن عندما نراهم كبارًا، وكيف أصبحوا يتحكمون في العالم، كان هذا هو ما يراد للعرب، لكن على نحو من إصلاح الدنيا، من نشر دين الله، أن يكونوا هم، العرب، أولئك الذين كانوا رعاة الإبل، وسكان الصحراء، هم يصبحون من يسودون العالم.
ألسنا الآن ننبهر أن نرى اليهود وهم أقلية هم من يتحكمون في شؤون هذا العالم؟ بشؤون هذه الدول، وهم عدد قليل، وهم من ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وهم من هم مكروهون في المجتمعات، أما نحن فكان كتاب الله سيحببنا إلى البشر، يحبب العرب إلى البشر، رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) سيكون شرفًا عظيمًا للعرب يجعلهم مقبولين عند الشعوب، الدين العظيم هذا الإسلام دين عظيم نقدمه للأمم فترى فيه العظمة، يحببنا نحن العرب إليهم فيقبلوننا، يقبلوننا بكل مودة، وبكل قابلية.
عندما يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هو خطاب لمن؟ للعرب، هو خطاب للعرب، ظهرت للناس، من أين ظهر؟ ألم يظهر من مكة ومن المدينة؟ ثم توسع في الجزيرة، داخل بلاد العرب، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وعبارة للناس لمن؟ للبشر، للعالمين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ #حسينبدرالدين_الحوثي
بتاريخ: 12/1/2002م
اليمن – صعدة
 

مقالات ذات صلة