الاقتصاد الوطني: نزيف مستمر تحت طوق الحصار

خلق الحصارُ المفروضُ على اليمن معضلةً اقتصاديّةً متعددةَ الأوجه، منها العجزُ عن تغطية المرتبات والأجور وتراجع النمو وتدهور العُملة الوطنية وَتدنّي مستوى الدخل وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، هذا التقرير يستعرضُ أبرزَ مؤشرات آثار وتداعيات الحصار وَالعدوان من منظور الاقتصاد الكلي.

تحتَ وطأة الحصار لحق الاقتصاد الوطني خسائرُ مرهقةٌ توالت تباعاً مع وضع قوى العدوان للسياسة النقدية وَالمالية العامة على رأس ما استهدفته وتستهدفه خلال سنوات عدوانها على اليمن.

أهدافُ الحرب الاقتصاديّة:

الوكيلُ المساعد لقطاع العمليات المصرفية الخارجية والبحوث بالبنك المركَزي، سامي السيَّـاغي، يقول في حديث خاص للمسيرة: إن آخر إحصائية للعام 2018 قدرت خسائرَ الاقتصاد الوطني؛ بفعل الحصار والعدوان بين 66 مليار دولار وَثمانين مليار دولار.

في تفاصيل معلومات تداعيات وآثار الحصار والعدوان، واجهت السياسةُ النقدية للبلاد تحدياتٍ عدة في البدء، إذ انخفضت 80 % من حجم الاحتياطيات الخارجية وخسرت عائدات استثمارها والإيرادات المانعة لتآكلها..، في هذا السياق يوضح وكيلُ البنك المركَزي، أن احتياطيات اليمن من النقد الأجنبي تراجعت من 3 مليارات وسبع مِئة وسبعة وستين مليون دولار إلى أقلَّ من مليار دولار.

ويتابع السيَّـاغي: الاحتياطيات الخارجية لليمن خسرت؛ بفعل الحصار عائداتِ استثمارها وتقدر (بثمانين مليون دولار)، فضلاً عن الإيرادات المانعة لتآكلها، وهي إيرادات مبيعات النفط والغاز وتقدر (بستة مليارات دولار سنوياً).

وفيما يعزو وكيل البنك المركَزي تآكُلَ احتياطيات اليمن من النقد الأجنبي إلى سياسة العدوان التي ركّزت مذُ مارس 2015 على وضع الثروة النفطية والغازية تحت طوق الحصار، ويكشف عن تورط أمريكي مباشر مكّن حكومةَ الخونة والمرتزِقة من السطو على مبالغَ من هذه الاحتياطيات، ويقول السيَّـاغي: بعض البنوك الأمريكية سهّلت تصرُّفَ المرتزِقة بجزء من احتياطيات اليمن من النقد الأجنبي، وتتحمل مسؤولية التفريط بهذه الأموال المملوكة للشعب اليمني..

وكيلُ البنك المركَزي اليمني في حديثه للمسيرة يؤكّـد أن مساراتِ الاستهداف السابقة للاقتصاد الوطني وَالطباعة غير القانونية وَغير الاقتصاديّة من قبل المرتزِقة لأكثرَ من تريليون وأربع مِئة مليار ريالٍ، أبرز أسباب ارتفاع أسعار الصرف وتدهور العُملة الوطنية وخسارتها نصفَ قيمتها..

ويضيف السيَّـاغي: إلى جانب هذا وذاك، استهدفت دولُ العدوان والحصار تحويلاتِ المغتربين اليمنيين بشتى السبل؛ لكونها الرافدَ الأولَ للنقد الأجنبي في ظل سيطرة المرتزِقة على عائدات النفط والغاز.

ويوضح وكيلُ البنك المركَزي اليمني: دول الحصار فرضت رسوماً جديدةً وجائرة على المغتربين اليمنيين؛ للحد من التحويلات الخارجية لليمن وفرضت قيوداً أُخرى حدّت من التعاملات المصرفية للبنك المركَزي بالدولار مع البنوك الخارجية.

سنواتُ الحصار تركت أثراً سلبياً مزدوجاً على الحياة المعيشية، فانخفض متوسطُ دخل الفرد وتدهورت ظروفُ الإنتاج المحلي، وخسر الاقتصاد القومي من طاقته الإنتاجية 56%، بحسب وزارة المالية العامة.

في هذا السياق، يقول وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط والمتابعة، أحمد حجر، للمسيرة: إن الناتج المحلي الحقيقي انخفض بنسبة 47% وفق بيانات 2018 وبالمقارنة مع 2014 إلى جانب أن العام 2014 انخفض عن 2013 (10 %)، وهو ما يؤكّـد -بحسب حجر وهو الخبير الاقتصاديّ- أن الحرب الاقتصاديّة سبقت العدوان العسكري وبدأت في العام 2014.

ومع تصعيد سياسة الحصار، ارتفعت مؤشراتُ معدل التضخم بشكل غير مسبوق وفق وكيل وزارة المالية من متوسط 10 % في 2014 أي قبل العدوان إلى 21 % في العام 2018.

وفيما يلفت حجر إلى أن هذه المؤشرات أكثر من الضعف بكثير، يشير إلى انخفاض متوسط دخل الفرد الحقيقي بحوالي 53%، أي أن دخل الفرد في 2018 لا يساوي النصف مقارنة بفترة ما قبل العدوان، ضاعف من ذلك السطو على مرتبات موظفي الدولة من قبل المرتزِقة والعدوان؛ وبفعل هذه الأمور مجتمعةً يقول وكيل وزارة المالية: ارتفع معدل البطالة من 30 % من مجملِ السكان عام 2014 ليصل في 2018 إلى 60 %.

ويتابع وكيل وزارة المالية: معدل الفقر بفعل الحصار والعدوان الشامل على اليمن ارتفع من نسبة 49% من السكان تحت خط فقر أعلى إلى مستوى غير مقبول.

وفي ظل سيطرة شبه شاملةٍ للمرتزِقة على إيرادات الدولة المهمة أنزل العدوانُ وَالحصارُ كارثةً بالاقتصاد الوطني فسجّل الدَّينُ العام الداخلي مؤشراتٍ توحي بحدِّ ذاتها بكارثة، كما يرى سامي السيَّـاغي -وكيل البنك المركَزي اليمني-: مؤشرات الدين العام الداخلي فاقت الإيرادات، حَيْــثُ مثّلت ما نسبته 110% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، وهذا يعني -برأي خبراء الاقتصاد- أن مؤشرات الدين العام الداخلي سجّلت ارتفاعاً تجاوز معدلاتِ المخاطر وفق المعايير الدولية..، ويقول السيَّـاغي: هذا أحد الانعكاسات الأفدح للحصار والعدوان على اليمن.. وفي ظل هذه الظروف يشير السيَّـاغي أَيْـضاً إلى أن نسبة الدين العام الإجمالي مثل 127% من الناتج القومي الإجمالي.

تعرض الاقتصادُ الوطني لمجزرة مروّعة إذَا جاز التعبير، مجزرةٌ وضعت في أهدافها التجويعَ المنتظِم للشعب اليمني ورميه ضمن دوائر الفقر المدقع والعجز التام عن توفير الكثير من السكان لحاجاتهم الأَسَاسية من السلع الغذائية والخدمات في الكثير من الأحيان، وبالتالي انكشاف الحماية اللازمة تجاه هجمات الأمراض المختلفة وسوء التغذية، وفي سياق ما يضعه العدوّ ضمن حسابات حربه الاقتصاديّة يؤكّـد أحمد حجر أن استمرارَ الحصار على اليمن يهدفُ إلى وضع البلاد أمام معضلة اقتصاديّة سياسيّة مجتمعية ليس على الأمد القصير وإنما المتوسط والبعيد؛ لكي لا يستطيعَ أن يُحدِثَ دورةَ انعاش اقتصاديّ حقيقي.

ووسطَ زحمة الآثار السلبية للحصار، يمكن التعويلُ على رأس المال البشري أَهَــمّ عنصر من مكونات التنمية البشرية والاقتصاديّة والاجتماعية، برأي المراقبين وذوي الاختصاص.

مقالات ذات صلة