“اتّفاق جدة”: السعودية تخلُــفُ الإمارات في الوصاية على “عدن”

على الرغم من عدم الإعلان رسمياً عن توقيع حكومة المرتزِقة ومليشيات الانتقالي على ما بات يُعرف بـ”اتّفاق جدة” حتى الآن، إلا أن تعمُّدَ تسريب بنود الاتّفاق ومضمونه عبر وسائل الإعلام السعودية الرسمية وغير الرسمية، كان بمثابة إفصاح سعودي عن رؤية الرياض للتعامل مع الوضع في عدن والمحافظات الجنوبية بغض النظر عن “موقف” طرفي المرتزِقة، وهي رؤية انعكست تسريباتها على الواقع بسرعة، لتكشفَ أن الصراعَ الذي خاضه الإصلاحُ والانتقالي مؤخّراً لم يمنح أياً منهما حق تقرير أي شيء، فكل ما عبر عنه الاتّفاق هو وضع عدن تحت المظلة السعودية بدل المظلة الإماراتية، وإلزام كُـلّ الأدوات بالبقاء تحت المظلة الجديدة، ونسيان أي أحلام أُخرى، سواء حلم الانتقالي بـ “الانفصال”، أَو حلم الإصلاح بالقضاء على الانتقالي، وقد جاء انتشار القوات السعودية في عدن وانسحاب القوات الإماراتية ومعداتها بمثابة استلام وتسليم للوصاية على المحافظة.

منذ أن دعت السعودية طرفي المرتزِقة إلى “الحوار” في جدة، كان واضحاً أن الرياض قرّرت استغلال الصراع الدائر في المحافظات الجنوبية لإعادة التموضع في عدن بعد سنوات من استحواذ الإمارات على المشهد، وقد جاءت بنود الاتّفاق المسربة متسقة تَمَاماً مع هذا التوجّـه، إذ نصت على أن السعودية ستشرف على تشكيل حكومة جديدة يتقاسم مناصبها طرفي الصراع، فيما تتولى النخب والأحزمة (التابعة للانتقالي) الجانب الأمني في عدن وشبوة، مع الاعتراف بـ”شرعيتها” من قبل حكومة المرتزِقة الجديدة، وبإشراف وإدارة القوات السعودية، كما جاء في التسريبات أَيْـضاً تشكيل لجنة مناصفة بعضوية “الانتقالي” وَالسعودية لمراقبة أداء حكومة المرتزِقة والإشراف عليها.

التسريبات التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية الرسمية نصت أَيْـضاً على أن يتم “تأجيل موضوع الأقاليم” حتى نهاية الحرب، وهو الأمر الذي يعني نهاية أحلام “الانتقالي” بالانفصال، وبقاء مليشياته في ميدان الخدمة العسكرية ولكن تحت إمرة الرياض هذه المرة، بمعنى أن سيطرته على عدن لم يكن لها أي معنى، كما لم يكن لسيطرة الإصلاح على شبوة أي معنى أَيْـضاً.

هكذا انتهى الأمر بمرتزِقة الإصلاح الذين قاتلوا من أجل القضاء على مليشيات الانتقالي ووصفوها بـ”الانقلابية والمتمردة”، إلى الاعتراف بها وقبولها إلى جانبهم في حكومة جديدة، بل والخضوع لها كجهة “مراقبة”، فيما ينتهي الأمر بـ”الانتقالي” الذي قاتل تحت راية الإمارات من أجل طرد مرتزِقة الإصلاح من عدن، إلى القبول بهم أَيْـضاً والعمل إلى جانبهم، ومقايضة شعارات “الانفصال” ببضع حقائب وزارية شكلية، كحال كُـلّ حقائب حكومة المرتزِقة.

بعبارة أُخرى: لم يتغير أي شيء سوى أن الأمور أصبحت تحت إدارة سعودية، فيما ظل طرفا المرتزِقة كما هما بلا قرار، ولا إرادة، وأثبتا أن كُـلّ الدماء التي سالت بينهما في عدن وأبين وشبوة خلال الفترة الماضية لم تجعل أياً منهما مؤهلاً ليفرض شروطه أَو يقول كلمته أمام السعودية.

ووفقاً لذلك فإن “الاتّفاق” يضمن عمل طرفي المرتزِقة لصالح السعودية، لكنه لا يعني انسجامهما، إذ ليست هناك أية مؤشرات على أن الصراع بينهما سيتوقف، وهذا ما تقوله ردود أفعالهما المتباينة على الاتّفاق وتسريباته.

إعلامياً، لا زالت حكومة المرتزِقة تصر على إظهار شيء من “الصلابة” المزيفة والتشنج، حيثُ نفى ناطقها، المرتزِق راجح بادي، قبل أيام، صحة أنباء التوقيع على الاتّفاق، ونفى أَيْـضاً صحة التسريبات، مكرّراً نفس عبارات “التمرد” و”الانقلاب” في إشاراته إلى الانتقالي، لكن الأخير بدا على العكس من ذلك، متقبلاً للوضع الجديد نوعاً ما، إذ يتحدث ناشطوه عن “توحيد الجهود”، و”التضحية بحلم الدولة الجنوبية” وهذا التباين يعودُ إلى كون حكومة المرتزِقة الحالية ترى نفسَها “خاسرةً” في الصفقة، فهي الآن مضطرة لتقاسم النفوذ مع الانتقالي الذي كان خارج إطار دولة المرتزِقة تَمَاماً.

على أية حال، المشهد في عدن يقول: إن موقف الطرفين من الاتّفاق لا يهم أبداً، حيثُ بدأت القوات السعودية فعلاً بالانتشار داخل المحافظة، وتسلمت مقر قيادة قوات تحالف العدوان في “البريقة” وهو المقر الذي ظل طوال السنوات الماضية تحت سيطرة الإمارات فقط، الأمر الذي يعني الاتّفاق الحقيقي جرى بين السعودية والإمارات، حيثُ جرى تسليمُ استلام الإدارة بينهما، بعيدا تَمَاماً عن ما تريده أدواتهما.

وأعلنت وسائل الإعلام السعودية الرسمية أن قوات الرياض “تسلمت الملف الأمني بشكل كامل في عدن وتسلمت القواعد العسكرية ومطار عدن الدولي، وأعادت انتشارها على مستوى محافظة عدن بمعية الحزام الأمني التابع للانتقالي في النقاط الأَسَاسية والمداخل الرئيسية وبقية المؤسّسات السيادية”.

وبالرغم من ذلك، ليست هناك مؤشرات على عودة حكومة المرتزِقة (الحالية) إلى عدن، وهو ما يشير إلى مضي السعودية في ترتيبات إعداد حكومة مرتزِقة جديدة بمشاركة “الانتقالي”.

 

الإماراتُ تسحبُ جنودَها وتسترجعُ “مساعداتِها”!

من جهتها، صادقت الإمارات على واقع انتقال الوصاية إلى السعودية، بسحب قواتها من مقراتها في عدن، وعلى رأسها مقر “البريقة” وقاعدة العند، كما سحبت قواتها من عدة محافظات جنوبية، وسلمت المراكز والمعسكرات التي انسحبت منها إلى القوات السعودية الواصلة، لكن المليشيات التابعة لأبو ظبي لم تنسحب من تلك الأماكن وهو ما يؤكّـد أَيْـضاً على أنها ستستمر في عملها تحت إدارة الرياض وبصفة “رسمية” بغض النظر عن تشنجات الإصلاح.

القوات الإماراتية المنسحبة أخذت معها كُـلّ شيء كانت تستخدمه، بدايةً بالمعدات العسكرية الثقيلة، وانتهاء بـ”الحمامات المتنقلة”.

كما تضمنت عملية الانسحاب أَيْـضاً سحب كُـلّ ما قدمه “الهلال الأحمر الإماراتي” الذي أغلق مكتبه في عدن، وأعلن انتهاء عمله، وقد كان يعتبر مظلة استخباراتية واسعة استخدمها الاحتلال الإماراتي لتجنيد الكثير من عناصر المليشيات.

وكشفت وثيقة تداولتها مواقع إخبارية أن “الهلال” الإماراتي قام بسحب مولدات ومعدات كان قد قدمها لمحطة “الحسوة” الكهربائية في مدينة عدن.

انسحاب كشف بشكل مهين حقيقة “احتلال” الإمارات لمحافظة عدن وزيف كُـلّ دعايات “المساعدات الإنسانية” التي ظلت ترددها، إذ لم تقدم للمحافظة عدن سوى ما استخدمته للسيطرة عليها فقط وها هي تأخذه معها عندما انتهى دورها في السيطرة، وستفعل السعودية الشيء ذاته.

مقالات ذات صلة