جرائمُ مختومةٌ بأسهم البورصة

عمران نت / 3 / 8 / 2019

// مقالات // حلمي الكمالي
ببساطة متناهية، تستيقظُ الطائراتُ السعوديةُ من قواعدها وتنثرُ حقدَها الدفينَ على رؤوس أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا وتذهبُ لتغفوَ من جديد وسطَ غفوة إنسانية أممية طالت وتمادت، في مشهدٍ مأساوي يتكرَّرُ للمرة المليون خلال خمسة أعوام ماضية وأمام مرأى ومسمع العالم أجمع دون أن يحرّكَ ساكناً.

وحين تستيقظُ الطائراتُ المسيّرة اليمنية التي لم تخلف ضحيةً مدنيةً واحدةً لترُدَّ على هذه المجازر الدموية تشتعلُ صفاراتِ الإنذار في العالم أجمع بما فيها سكينةُ الأمم المتحدة التي لم توقظْها أشلاءُ أطفالنا ونسائنا من رحمة غارات الإف 16.

واستكمالاً للمسرحية الدولية تقلَقُ الأممُ المتحدة لحادثة مقتل “قطة” في أدغال إفريقيا، بينما لا تقلَقُ للمجازر الدموية التي يرتكبها التحالفُ الأمريكي السعودي بحق أطفال ونساء اليمن!

ماذا بعد حتّى تتوقفَ آلة الموت الأمريكية السعودية عن سلب أرواح اليمنيين بعناية فائقة وسط هذه الغابة الأممية المكتظة باللصوص والقتلة وآكلي لحوم البشر؟!

ماذا تبقّى من رماد الأرض لنرميَه في وجه هذا القبح العالمي الذي تهزه وسط “ماريا كيري وهيفاء وهبي” ولا تهزه شلالات الدم النازفة في صعدة وتعز وصنعاء وبقية المدن اليمنية؟!.

إنها محطةٌ فارقةٌ لذوي الإعاقة الذهنية التي أصابت أوغادَ الدبلوماسية الغربية وأبواقَ الأمم المتحدة ومنظماتها المتشدِّقة خلفَ عناوين الإنسانية الممزقة.

يُذبَــحُ اليمنيون بعناية فائقة على مأدُبة أممية، وتتابع الطفيليات المهترئة من عفن النفط أنين الصغار والكبار بصمت للغاية، بينما يسارع ذبابُ الدم والقوت بوضع ستار دولي طويل على الجرائم مختوم بأسهم البورصة.

صدّعتنا الأممُ المتحدة ومنظماتها عن حقوق الإنسان، ولكننا “نسمع جعجعةً ولا نرى طحناً” وبدلاً عن مساعدة الشعوب المنكوبة تساعدُ الأخيرة على إغراقها في مستنقع الإرهاب والخراب.

الحديثُ عن إمكانية أن يستيقظَ العالمَ من سباته العميق ضربٌ من الوهم بكل تأكيد وليس هذا تعويلنا مطلقاً، إنما لا عزاءَ على دماء الأبرياء في ظل سطوة دول العالم المتقدم المتشدقة خلف يافطات حقوق الإنسان، هذه الدول التي حوّلت الآدميةَ إلى سلعة كونية وجعلت الإنسانيةَ مطيَّةً خرساءَ تُخفِي خلفها مقاصلَها الحادَّةَ، وهذه هي الإنسانيةُ بالمفهوم الأمريكي المتحضِّر كالمعروضة في صالات البيت الأبيض أَو في بارات الهوى في شوارع كاليفورنيا.

إن إهانةَ النفس البشرية واستهجانَها التي تمارسُها الدولةُ الأمريكية وحلفاؤها بحق الشعوب في مختلف بلدان العالم هي النموذجُ الصارخُ لسقوط الآدمية وهي امتدادٌ تفوق ببشاعتها زمنَ العبودية الذي شهدته أوروبا قبل انتفاضة العبيد بقيادة سبارتكوس.

انظروا فقط لهذه البشاعة في التعامل مع البشر على الطريقة الأمريكية المتقدمة:

قتل الأمريكيون في العراق أكثرَ من 5 ملايين مواطن وشرّدوا ضعفَي هذا الرقم، وكان القصاص للدم العراقي في المحافل الدولية أمراً سهلاً كما تعودنا من جرسونات البيت الأبيض وهو: نعتذرُ للشعب العراقي لقد كان قرارُ الغزو قراراً متسرعاً!.

لذلك لا جدوى من متابعة أصداء جرائم التحالف الدولي الوحشية بحق اليمنيين فإن تتبع مثل هذه الأخبار قد يصيبُك بتبلد ذهني طويل الأمد لمدى التجاهل الدولي لدى “دول وحكومات” تدّعي أنها قِبلةُ الحرية والعدالة للبشرية كما لو أنك تستمعُ لحديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن حرصِ بلاده للحفاظ على دماء الأبرياء في الشرق الأوسط، الذي يشعرك بأن حلقةَ الإنسان المفقودة التي يبحثُ عنها “دارون” مغروسةٌ في عقل هذا الرجل!

لا تخجل هذه الأنظمة المسعورة بإزهاق دماء الأبرياء على وجه المعمورة وحسب، لكنها لا تلبث حتى تستثمرَ دماءَ ضحاياها هنا وهناك، ولا ضيرَ أن تتباكى أَيْــضاً إذَا استدعى الأمرُ كما يفعل أمين عام الأمم المتحدة.

نحن أمام مهزلة أممية مغلفة بالأسى والأسف والخجل أمام آدميتنا المتناثرة تحت أقدام الرجعية المتغطرسة وبقاياها في أغلفة الجرائد وأفلام هوليود وفي برامج الطفولة والأمومة.

لا فائدةَ من التجديف حول الزيف الأمريكي المتغلغل كعُودِ ثقابٍ في صلب المنظمات الحقوقية الدولية، غير أن هذه “التنينات الغجرية” التي تتنفّسُ النيران وتعطس بها ستغرق لا محالة.

في نهاية المطاف لا ينتظر اليمنيون الخلاصَ من أحد ولا خيارَ أمامهم سوى خوض هذه المعركة حتى النهاية، واجتياز الطريق الذي سطّرته دماءُ الشهداء لتحقيق نصرهم المبين.

بالرغم من هذا التوحُّشِ البشري لا زال هذا الجيلُ المجاهدُ إنساناً متمسكاً بمبادئه وقيمه في وقت انعدمت فيه القيمُ الإنسانية والدينية.

لذلك ولأجل زخّات الدماء التي نزفت من أطفالنا ونسائنا تحت ركام العبث الدولي، تلدُ أرحامُ الأمهات اليمنية كُــلَّ يوم بطلاً محمدياً حسينياً وصمّاداً سيرقصون يوماً ما على أشلاء أنظمة الاستبداد العالمي وسيحفظون اليمنَ خالداً إلى الأبد.

#ملتقىالكتاباليمنيين

مقالات ذات صلة