كوابيس الحالمـة…إخوان العدوان وصراع الطغيان في تعز 2-2

عمران نت / 26 / 4 / 2019م

 علي نعمان المقطري 
يعرف العدوان الاستعماري بواقعيته وبراجماتيته أن هذه الحالمة المنهكة ليست تعز الأصلية بأي شكل كان. إن سماتها التي كونت شخصيتها عبر الزمن والقرون والأجيال هي ما يحدد ملامحها وطبيعتها، وهي مختلفة عن الجثة المشوهة التي يسيطر عليها العدوان الآن ويسيرها كيفما يريد.
إن غرض العدوان الكبير ليس كما يروج له أعوانه بأنه يخدم الواجب الخيري لـ«الشرعية» وإنقاذ تعز من الجيش واللجان، وإنما هو يريد في الحقيقة إحكام السيطرة التامة عليها والهيمنة الكاملة مباشرة بعيداً عن أي وكلاء أو عملاء أو سماسرة وقوادين مؤجرين بالأموال بعد تفتيتها وإنهاكها واستنزافها في ميادين كثيرة، فأكثر المحافظات تحشيداً وتجنيداً للعدوان ومرتزقته هي تعز، حيث ينتشرون من المحافظات الشرقية والحدودية إلى الساحل التهامي، وتصل أعداد المجندين في قوائم المحافظة وحدها أكثر من 60 ألف مرتزق، يشكلون الجناح الآخر للعدوان البري، ويهدف من ذلك إلى إفراغها من القوة الحيوية الفتية المكونة من شبيبتها كثيرة العدد، الواسعة الانتشار، التي شكلت الكتلة الرئيسية الأكبر في قيادة وقوام الانتفاضة الشعبية في العام 2011، فهي قوة ثورية في الأصل، وهذه أهم سماتها التي اكتسبتها على مدى عقود طويلة في مواجهة ومقاومة أنظمة القهر والتبعية والوصاية والاستبداد، وفي تحمل أكلاف الثورة اليمنية في الشمال والجنوب خلال الفترة (1960 ـ 1990)، ويعيش العدوان هاجساً دائماً من تقلب تعز وتحولها واستعادتها التدريجية لشخصيتها الأصلية وكشفها مجدداً عن وجهها الحقيقي بعد غمة غشيت الأعين ورانت على القلوب.
لا يمكن للعدو الهيمنة والسيطرة على تعز بكل ثقلها الوازن لثقل دولة بذاتها، إلا إذا قسمها وفتتها أولاً، وجعلها تتناحر مع الآخر ومع ذاتها وفصائلها وأطرافها حتى تضعف جميع الأطراف أمامه، وعبر تفتيتها وتقسيمها يستطيع أن ينتقل إلى الطور الآخر من خطته، وهو السلخ والقطع والانتزاع لتعز من الجسم اليمني الموحد المتعايش المستنير، وفي سياق السلخ هناك سناريوهات يعمل العدوان عليها الآن.
من وجهة نظر المطامح الأمريكية ـ البريطانية ـ السعودية – الإماراتية ـ الصهيونية العليا التي تقف خلف الحرب العدوانية وتستغلها لتحقيقها، فإن الغرض الجيوستراتيجي للعدوان الامبريالي في تعز مرتبط أشد الارتباط بهدف سلخ الجنوب عن الوطن.
ومن غرائب الأقدار أنها وضعت معادلة خبرناها عبر التاريخ تقول: «إن تعز جبال الجنوب عليها يمكن منها الدفاع ومنها يمكن الهجوم». إنها سروات حِمْيَر. والنتيجة في مفهوم العدوان هي أنه لا يمكن الاحتفاظ بالجنوب واحتلاله ما دامت أطرافه مكشوفة أمام الجبال اليمنية في السروات الفاصلة، وأن السيطرة على الصحارى واسعة المساحة لا يغنيها ولا يبقيها بمأمن، ولذلك يتوقف شرق الجنوب على غربه الجبلي المتضرس، حيث قبائل الغرب الجبلية تسود قبائل الشرق الصحراوية منذ القدم، لذا فإن مركز قوة الجنوب تكمن في غربه الجبلي، ولكن هذه الكتلة الجنوبية الغربية تظل تحت سيطرة الجبال الأعلى منها شمال الخط الشطري القديم المار بجبال تعز ـ إب ـ البيضاء، وإن عرض المدى الجغرافي للجنوب الغربي لا يزيد عن 60 كيلومتراً بين الجبال والساحل البحري الصحرواي. هذه الجبال قهرت بريطانيا بعد قرن وثلث من احتلالها وبوجود أكثر من 100 ألف عسكري في أهم قاعدة بريطانية في المنطقة، ولن يتحقق سلخ الجنوب في نظره إلا إذا انتزعت الأقسام الجيوستراتيجية الحيوية من تعز، وفي تعز 3 أغراض استراتيجية كبرى تثير جشع العدوان، أولها: المضيق الدولي التابع لها والساحل المشرف عليه من الخوخة والمخاء إلى باب المندب وخليج عدن وميون. ثانيها: الثروات الطبيعية المتوفرة غرب تعز الساحلية بين المخاء ـ الوازعية ـ باب المندب، وأهمها الذهب المكتشف حديثاً والطاقات الطبيعية المتوفرة في تيارات المياه في المضيق المائي، كما تشير الانبعاثات الاحتراقية الصادرة عن جبل النار في المخاء إلى توفر الكثير من الغاز والنفط في المنطقة محل الصراع الآن. ثالثها: السلاسل الجبلية المرتفعة الممتدة من جبال الحشا ـ ماوية ـ سورق ـ الصلو ـ سامع ـ صبر ـ الراهدة ـ المقاطرة ـ الحجرية ـ الشمايتين ـ الوازعية ـ موزع ـ جبل حبشي ـ حمير شمير. 
سلخ تعز ضرورة لسلخ الجنوب 
تواصل الإمارات الضغط لتنفيذ مخطط إقامة محافظة جديدة تضم المناطق المطلوب سلخها من تعز، وهي المناطق الاستراتيجية الدولية في المحافظة، كخطوة أولى على الطريق التفتيتي لتعز، وقد تبلور على شكل قرار وضع أمام هادي وحكومته الذين ينتظرون الظرف المناسب في تعز لإعلانه وجعلها محافظة مستقلة ووضعها تحت إشراف الدول الامبريالية الكبرى للعدوان.
وسبق أن نشرت عديد صحف غربية أن التعاون الجاري بين السعودية و»إسرائيل» في العدوان على الساحل وتعز مرتبط بوعود بمنح «إسرائيل» قاعدة عسكرية في باب المندب، تمكنها من أن تسيطر على طرق الملاحة البحرية في المضيق والبحر الأحمر من جنوبه، وهو ما أكدته تصريحات «الإسرائيليين» في العديد من المناسبات، فتعز يُنظر إليها من عدة زوايا استراتيجية ومنظورات معقدة وحربية وسياسية.
تعز في نظر العدوان وبرامجه 
تمثل تعز الجدران الفاصلة دفاعاً عن الاحتلال للجنوب، والخزان البشري الاستراتيجي والاقتصادي والإداري والعلمي الكبير الذي يمكن للعدوان أن يجند منه المزيد من المرتزقة والاختصاصيين والخطباء والمحرضين والشعراء والكتاب والسياسيين المحترفين والكوادر وحراس الممرات الدولية ورؤوس الجسور التي يقيمها العدوان، وفقهاء التبرير الكلامي السياسي لما يجري وإلباسه أثواباً مقنعة ومنمقة. 
الأطماع العدوانية على المحك الآن
يطمح العدوان إلى أن تكون تعز حامية الاحتلال جنوباً وخزانه البشري شمالاً والحاجز الجيوسياسي الفاصل بين أقاليم محتلة في الجنوب والسواحل وبين أقاليم متناهشة متناحرة في الوسط يتحكم بإيقاعها الاحتلال مقابل نفوذ سعودي أمريكي شمالاً وشرقاً على جبهات الحدود المباشرة. 
في هذا السياق تأتي هذه المناورات الأخيرة لاسترضاء تعز سياسياً بهدف تنويمها استراتيجياً ولتغفل عما يدبر العدوان لها وللوطن. وعلى صعيد التنظيم السياسي للعدوان فإنه يحاول استرضاء قيادات المجتمع العدوانية بمنحها رئاسة حكومة، لا قيمة ولا سلطة لها إلا الاسم، والآن يحاول استرضاءها أكثر بمنحها رئاسة مجلس النواب المستنسخ في سيئون، بحثاً عن شرعية برلمانية كان أغلبها يتبع حزب عفاش وانتخاباته المزورة، فالبركاني منظور إليه من زاوية كتلة نواب تعز الكبيرة التي تضم 43 دائرة انتخابية وبرلمانية في هذه المحافظة الساحلية الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي، وهي تراهن على عدد من الدوائر البرلمانية وامتداد تأثير العفاشية عليها وعلى ممثليها، ولكن جناح المؤتمر الوطني أدان هذه المناورات في حينه وأفشل نتائجها بتعطيل مشاركة عدد كبير من المؤتمريين في الخارج.
إن المناورة المشتركة للإمارات والسعودية بإشراف الأمريكي تتفقان فيها على أهمية الدور المنتظر من تعز بعد أن تلقتا الكثير من الإخفاقات والهزائم على الأرض. إنها أزمة الشرعية الزائفة للعدوان وإخفاقاتها. وكانت فكرة عقد مجلس النواب في مقدمة محاولاته الاستراتيجية الحيوية، بعد أن فشلت جميع محاولاته السابقة، ولم يكن المكان هو المشكلة وإنما القوام والجوهر والناس وفشل التوفيق بين تناقضاتها البنيوية الحادة.
إن العجز عن عقد مجلس مزور في الخارج لم يكن يكمن في العدد فقط، وإنما في المحتوى والمشكلات المتفجرة بين العملاء أنفسهم، وكل محاولة لجمعهم سوف تفجر السلام الهش القائم فيما بينهم، لأنها سوف تضع التناقضات البنيوية الداخلية على السطح، وهذا ما يخشاه العدوان.

مقالات ذات صلة