إذا لم تصبر في سبيل الله فستصبر على قهر أعدائك على ظلمهم لك

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:153) هذه واحدة من مظاهر {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أن تفهم بأنه عندما يوجهك لموقف حق، يبين لك قضية حق هو في نفس الوقت يقدم لك ما يعينك على أن تقوم بهذا الحق {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} (البقرة: من الآية 153) لاحظ كيف أنه عندما أمرنا في [سورة الفاتحة] أن نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(الفاتحة:5) هو في الوقت الذي يبين لنا كيف نعبده هو يمثل عوناً لمن يتجهون في عبادته فنعبده ونستعين به في أداء عبادته أن نعبده معناه: الحق، نقوم بالحق الذي أنزله على رسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) الحق هذا العنوان الواسع الشامل.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}
(البقرة:153ـ154) لو تأتي إلى مسألة: أن تقتل في سبيل الله تجدها في الأخير تعتبر من الحكمة بالنسبة لك ومن الخير الكبير بالنسبة لك لأنه عندما ترى أنه في الأخير أنت ستموت، أليس كل إنسان سيموت، أليس من الأفضل لي أليس من الحكمة أن استثمر موتي أنت ستموت، ستموت أليس هذا موقفاً حكيماً؟ ليست قضية تعتبر مصيبة لأنه ما هو الجديد في القضية؟ هل هناك جديد في الموضوع؟ هل القتل في سبيل الله شيء أكثر من الموت؟ أو الإنسان إذا لم يقتل في سبيل الله فلن يموت؟ سيموت ولا تدري في نفس الوقت متى ستموت، إذاً فالموقف الحكيم والخير الكبير عندما تقتل في سبيل الله تعتبر أنت استثمرت موتك الذي لا بد منه ثم تكون في الواقع أفضل لك من أن تموت فتكون في عالم اللا شيء إلى يوم القيامة تكون أحياء، أحياء.

ويبدو أن الشهداء يبقون أحياء من أول لحظة يفارق فيها هذه الحياة فيصبحون أحياء فعلاً، ففي آيات أخرى عندما يقول الله عن أحداث القيامة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: من الآية68) تبين أن هناك فئة أو شيئا من مخلوقاته حية لا تتأثر بتلك الأشياء مع أن الشهيد يموت اسما، اسما هكذا أنت تراه لكن في الواقع يصبح حياً فقط ألقى [بذلة] خلع البذلة التي عليه ذلك [البودي] الذي له هذا الهيكل وأصبح حياً {عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: من الآية169) لم يعد هناك موت بالنسبة لهم {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} (الدخان:56) تأمل في كثير من الآيات التي تتحدث عن أحداث القيامة فيها حالة استثناء {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: من الآية68).

هذه القضية قد تبدو في أول وهلة وكأنها كبيرة لكن قدم لها، وهذا أسلوب من أساليب التوجيه الإلهي والإرشاد الإلهي والتشريع الإلهي من المقدمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}(البقرة:153ـ154) لاحظ كيف يأت الكثير منها بأسلوب استعراضي ما جاءت عبارة: اقتَلوا، اقتَلوا في سبيل الله، لا. يبين لك هنا القضية موقع هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله حتى تصبح أنت متشوقا؛ لها إيجابية فيما يتعلق في نفس أي إنسان أكثر من أن يقال: اقتَلوا أو يجب أن تقتَلوا في سبيل الله وستكونون أحياء {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ} (البقرة: من الآية154) لا. هذا مقام رفيع لا تسموهم أمواتا، لا يصح أن تقولوا: مات فلان، إنهم أحياء بكل ما تعنيه الكلمة، ولكن لا تشعرون.

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155) لاحظ ما أجمل موقع هذه الآية بعد أن يجعلك بالشكل الذي تشتاق إلى أن تقتل في سبيل الله! هل ستبدو ثقيلة عليك أن تمر بأي شيء من هذه الأشياء المتعددة بعد: خوف أو جوع أو نقص في الأموال أو نقص في الأنفس؟ أنت مشتاق أن تقتل في سبيل الله هل هي مشكلة بالنسبة لك، جوع خوف نقص من الثمرات وأشياء من هذه، ستبدو أمامك هينة إذا كنت قد فهمت النقطة الأولى والمقام الرفيع لمن ضحوا بأنفسهم في سبيل الله ثم هذه تبدو بأنها قد تمر بالناس على حسب إرادة الله سبحانه وتعالى، هذه القضية لا نعلم كيف هل يمكن مع جيل معين أو في سنة معينة أو متى بالتحديد إنما يبدو أنها مشجعة باعتبارها ترويض ربما عندما تكون المسألة باعتبارها ترويض قد يكون الناس فيما إذا أخلصوا لله وتوجهوا إلى الله وعزموا على أن يضحوا في سبيله، ولو قتلوا في سبيله وأن يتحركوا في سبيل الله ولو قتلوا ربما، ربما ـ والله أعلم ـ قد تكون هذه الحالة بالشكل الذي قد لا تعد تحصل ابتلاءات من هذا النوع إلا ما كان في نفس الوقت ـ وهذه تبدو سنة إلهية ـ ابتلاءات في المقام العملي تكون إيجابية كبيرة في نفس العمل الذي أنت فيه تخدم القضية التي أنت تتحرك فيها.
أليس لدينا الآن [150] سجينا من أجل الشعار؟ تبين من خلال سجنهم إيجابيات كبيرة جداً جدأً، لهذه المسيرة ولهذا العمل وفضح كبير للأمريكيين ولغيرهم بشكل لم يكن بالإمكان أن نحصل عليه ولا أن تصل القضية إليه لولا هذه الحالة التي مر بها كثير من الشباب فأصبح منهم حوالي [150] سجينا، أليست تبدو في الصورة قضية ابتلاء؟ لكن الإبتلاءات في المجال العملي كلها تصبح إيجابية، إيجابية كلها إلا في حالة واحدة ما كان نتيجة تقصير من الناس تفريط من الناس هذه تكون تأديبا يحصل تأديب.

في مراحل الصراع مع أعداء الله يحصل حالة خوف، أليست طبيعية في الصراع عند البشر كبشر يحصل خوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات أليست هذه تحصل؟ لكن المؤمنين أنفسهم عندما يمرون بأشياء من هذه تعطيهم تجلدا تعطيهم صبرا، وعندما تكون هي من جهة الله سبحانه وتعالى تكون إيجابية أيضاً في نفس الوقت إيجابية، فيجب هنا أن تصبر، تصبر لتنجح في هذا الإبتلاء الإلهي الذي يعطيك في نفس الوقت تجلدا؛ لأن ما يمكن أن يحصل عليك وأنت في مواجهة العدو كمجتمع وكأفراد هي هذه: حالة خوف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} 
(البقرة: من الآية155) بشر الصابرين، هذه الآية هذه العبارة تتكرر في القرآن الكريم بشكل كبير بأن الناس عندما يصبرون في سبيل الله فهناك بشارة هم موعودون بها هناك فرج إلهي {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} (الصف: من الآية13) بعد ما ذكر الجنة والمغفرة وتكفير السيئات {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} (الصف: من الآية13) عادة الصبر الإلهي أن يصبر الإنسان في سبيل الله هو الصبر الوحيد الذي يأتي بعده فرج وإذا لم تصبر في سبيل الله فستصبر على قهر أعدائك على ظلمهم لك على استعبادهم لك على هتك عرضك، ويكون هذا الصبر لا لله ولا في سبيله ولا نهاية له وليس بعده فرج لا يحصل بعده فرج أبداً.

إذاً فالأفضل للإنسان هي نفس القضية الأولى أنت ستموت، أفضل لك أن تحاول أن تعمل في مجال لتحصل فيه أن تستشهد في سبيل الله وإلا ستموت، أليس هذا أفضل من أن تموت أفضل لك أن تصبر في سبيل الله من أن تصبر على الذلة والإهانة والقهر والعبودية والإستذلال وتسلط الأعداء، أفضل لي أن أسير أنا ويكون الأعداء هم الذين يصيحون مني، الذي أضرِب أفضل من أن أكون أنا الذي أضرَب والذي أقهر وأذل وأصيح أنا وكل أسرتي وكل الناس من حولي، أليس هذا أفضل لك تصبر في طريق أنت فيها الذي تضرب وتؤلم الآخر وتغيض الآخر وتهزم الآخر؟ ولا أن تكون أنت الذي ماذا؟ الآخر العدو هو الذي يقتحم عليك بيتك هو الذي ينتهك عرضك هو الذي ينهب أموالك هو الذي يذلك ويقهرك، نحن نرى صورا من هذه موجودة في العراق وفي فلسطين مؤسفة جداً.
إذاً هل هناك جديد بالنسبة لك عندما تصبر في سبيل الله أو أنه أفضل، أفضل أن تصبر في سبيل الله هو الصبر الذي هو في مقام عزة ورفعة والآخر يصيح منك، وإلا ستصبر في وقت أنت الذي تصيح فقط والعدو لا يصيح منك أنت الذي تصيح أنت بيتك دمروه نهبوه دخلوا يربطونك أمام زوجتك ويقودونك إلى السجن ويعذبونك يهود أعداء من أشد الأعداء، ألست أنت الذي تصيح لوحدك؟ وأنت تصبر في سبيل الله أنت تجعل الآخرين يصيحون منك، إذاً ما معناه بأنه لا بد أن نمشي في سبيل الله ونصبر أننا إذا لم نكن على هذا النحو سنعيش في حالة استقرار وسعادة ولا هو حاصل علينا شيء؟ لا. ستجد أن هذه الحالة أفضل، أفضل بكثير في وقتها وفي غايتها وفي نتيجتها.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس الثامن – من دروس رمضان]

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 8 رمضان 1424هـ
الموافق 2/ 11/2003م
اليمن – صعدة
.

مقالات ذات صلة